باريس ـ «القدس العربي» ـ آدم جابر: من جديد يعود الإرهاب ليخيم على المشهد السياسي والأمني الفرنسي بعد أن عادت الأوضاع تدريجيا إلى طبيعتها،...
باريس ـ «القدس العربي» ـ آدم جابر: من جديد يعود الإرهاب ليخيم على المشهد السياسي والأمني الفرنسي بعد أن عادت الأوضاع تدريجيا إلى طبيعتها، وألغيت حالة الطوارئ التي فرضت في أعقاب الاعتداءات العنيفة، التي هزت البلاد عامي 2015 و 2016. مسرح العمليات هذه المرة، كان مدينة كاركاسون، الواقعة جنوب غرب البلاد وبلدة تريب التي تبعد عنها سبعة كيلومترات، حيث قتل أربعة أشخاص وأصيب آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، يوم الجمعة 23 آذار/مارس الجاري، في ثلاثة اعتداءات تبناها تنظيم «الدولة» ونفذها مسلح قبل أن ترديه قوات الأمن إثر احتجازه رهائن.
بدأ الإرهابي اعتداءاته بسرقة سيارة في مدينة كاركاسون بعد أن أصاب سائقها بجروح خطيرة وقتل راكبا، وفي طريقه أطلق النار على شرطي كان عائدا من ممارسة الركض مع ثلاثة شرطيين آخرين وأصابه بجروح، قبل أن يدخل في متجر في بلدة تريب على بعد سبعة كيلومترات من مدينة كاركاسون، حيث قَتل شخصين (جزار السوبرماركت وأحد زبائنه) وأصاب 12 آخرين بجروح، فيما تمكن باقي الرهائن من الفرار، ما عدى سيدة احتجزها معه، ليعرض عليه أحد الضباط، المتواجدين في المكان، وهو العقيد في الدرك أرنو بلترام، أن يأخذه كرهينة مكانها، فقبل الإرهابي بالاقتراح.
العقيد بلترام «يسقط بطلا»
ساعد العقيد بلترام في إنهاء العملية الإرهابية، عبر تركه الاتصال على هاتفه المحمول مفتوحا، مع قوات الأمن في الخارج، بصورة سرية، حسب ما أوضحت وزارة الداخلية الفرنسية. غير أن الإرهابي سرعان ما أطلق النار على العقيد وأصابه بجروح خطيرة، ما أدى إلى تدخل عناصر النخبة في الدرك، وإطلاق النار على المهاجم فأردوه قتيلا. وأعلن وزير الداخلية جيرار كولومب، صباح السبت، عن وفاة العقيد أرنو بلترام متأثرا بجراحه الخطيرة، عن 44 عاما. وغرد كولومب على حسابه على تويتر قائلا: «غادرنا العقيد أرنو بلترام، الذي مات في سبيل وطنه. فرنسا لن تنسى أبداً بسالته». فيما أعرب الرئيس ُإيمانويل ماكرون عن «احترام واعجاب الأمة كلها بما قام به هذا العقيد البطل».
وسارع تنظيم «الدولة» إلى تبني هذه الاعتداءات، موضحا أن منفذها جندي في صفوفه، بينما أكدت السلطات الفرنسية أن منفذها هو شاب فرنسي من أصل مغربي يدعى رضوان لقديم، يبلغ من العمر 25 عاما، وأنه تحرك بشكل منفرد. كما أوضح مدعي عام باريس، فرانسوا مولانس، أن الاستخبارات الفرنسية كانت تراقب الشاب منذ عام 2014، وذلك باعتباره «متشددا نظرا لعلاقاته بالأوساط السلفية». ومع أن هذه الاعتداءات ليست الأولى من نوعها من حيث الطريقة، إلا أن توقيتها من شأنه أن «يزيد من حدة انتقادات اليمين المتطرف لمقاربة الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته الأمنية»، حسب ما قالت الصحافية أمل بيروك لـ«القدس العربي». فهذه الاعتداءات الإرهابية، تعد الثانية التي تعرفها فرنسا منذ قدوم ماكرون إلى السلطة، في شهر أيار/مايو 2017، إذ سبقها اعتداء مارسيليا، في بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما قام رجل بذبح امرأة وطعن أخرى، أمام محطة للقطارات وسط المدينة الواقعة في جنوب البلاد، قبل أن تتم تصفيته برصاص جنود ينتمون إلى كتيبة «السانتينيل» الخاصة، المكلفة حماية المواقع الحساسة في البلاد، منذ اعتداءات باريس الدامية عام 2015. وقد أعلن تنظيم «الدولة» أيضا مسؤوليته عن هذا الاعتداء، معتبرا أنه أتى «استجابة لنداءات استهداف دول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية».
مراجعة المنظومة الاجتماعية والتربوية
وكانت الحكومة الفرنسية قد ألغت حالة الطوارئ التي فرضت بعد اعتداءات باريس عام 2015، وتم تمديدها لمرات في عهد الرئيس السابق فرانسوا أولاند، وأتت بقانون جديد لمكافحة الإرهاب، يعطي السلطات صلاحيات جديدة دائمة لمداهمة منازل وإغلاق مراكز عبادة وتقييد حرية الحركة…إلخ، كما أن القانون الجديد جعل من مجموعة من الإجراءات التي فرضت بعد اعتداءات باريس وضمنها قوانين الطوارئ دائمة. ورغم أن وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب، صرح في نهاية شباط/فبراير الماضي، أن هذه الإجراءات الجديدة مكنت من إحباط مخططي اعتداءات، بالإضافة إلى إغلاق ثلاثة مساجد «لتعاطفها» مع الإرهاب، إلا أن الإعلامية جميلة أبو شنب رأت، في تصريح لـ«القدس العربي» أن اعتداء يوم الجمعة المنصرم جاء «كرسالة ضمنية تثبت أن الأمن لا يكفي وحده، ومراقبة المدارس والسجون ودور العبادة ومواقع التواصل الاجتماعي لا تنهي التطرّف، لأن أغلب منفذي العمليات هم فرنسيون وتلقوا تعليمهم في المدارس الفرنسية وتشربوا قيم الجمهورية الفرنسية». ورأت أبو شنب أن: «الإحساس بالتهميش وبالتفاوت الاجتماعي، والعنصرية في بعض الأحيان، هي أمور تجعل من هؤلاء الشباب فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية» معتبرة «أن المنظومتين الاجتماعية والتربوية في فرنسا بحاجة إلى مراجعة شاملة».
ظاهرة الذئاب المنفردة
مع ذلك يبدو الرئيس إيمانويل واثقا من قانونه الجديد لمكافحة الإرهاب، ومصمما «التصميم المطلق» على مكافحة الإرهاب، حسب ما جاء في كلمته إثر اجتماع أزمة في مقر وزارة الداخلية، يوم الجمعة، والتي قدم خلالها الشكر للجنود الفرنسيين المنتشرين في العراق وسوريا «على تقليصهم الخطر الإرهابي»، إذ تشارك فرنسا ضمن التحالف العسكري الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «الدولة» في سوريا والعراق. إلا أن «تقليصهم الخطر الإرهابي» الذي تحدث عنه ماكرون، لم يمنع تنظيم «الدولة» من استهدف فرنسا من جديد، في تأكيد منه على أنه لا يزال قادرا على تجنيد وتعبئة عناصر في أوروبا، تنخرط في مشاريعه الإرهابية، رغم الهزائم التي تلقاها التنظيم في العراق وسوريا. وهذا الوضع يرى المحلل السياسي مصطفى الطوسة، في تصريح لـ «القدس العربي» أنه: «يطرح نسبيا تحديات كبيرة أمام الدول الأوروبية، حول كيفية معالجة ظاهرة الذئاب المنفردة، التي تدخل في مسلسل التطرف وتعلن ولاءها للتنظيمات الإرهابية، ثم تقوم باعتداءات إرهابية بطريقة استعراضية». يضاف إلى هذا التحدي «ظاهرة الجهاديين الأوروبيين العائدين من مناطق الحرب في العراق وسوريا في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة هناك، والتي باتت تؤرق الساسة الأوروبيين بشكل كبير».
مقاربة إيمانويل ماكرون الأمنية تحت مجهر المعارضة
COMMENTS