انتخابات 2018: فاز القيصر بوتين فهل بدأ الصراع على روسيا ومن سيخلفه؟

بعد 18عاما في السلطة لم يعد فلاديمير بوتين رئيسا بل قيصرا، ولهذا كانت انتخابات الأسبوع الماضي بمثابة استفتاء على فترة حكمه ومدى التفويض ا...

بعد 18عاما في السلطة لم يعد فلاديمير بوتين رئيسا بل قيصرا، ولهذا كانت انتخابات الأسبوع الماضي بمثابة استفتاء على فترة حكمه ومدى التفويض الذي منحه الشعب الروسي للمرشح الوحيد من الناحية العملية. فقيام مسؤولين بحشو صناديق الاقتراع بأوراق أمام الكاميرا دليل على حصانة الرئيس وحضوره الطاغي على روسيا. وحسب النتائج الرسمية فقد حصل بوتين على 77 في المئة من الأصوات بنسبة مشاركة 70 في المئة، ولكن النتيجة ليست مهمة فالانتخابات لم تكن اختبارا ديمقراطيا حقيقيا بقدر ما هي طقس للتأكيد على من يتحكم في السلطة والتأكيد على حضوره، فلطالما استخدمت الأنظمة الديكتاتورية صناديق الاقتراع لإضفاء الشرعية على الحاكم. إلا أن فوز بوتين قد يكون بداية الصراع على مستقبل روسيا والذي بدأ في اليوم التالي للانتخابات، فمن الناحية القانونية لا يسمح الدستور لبوتين خوض السباق الرئاسي لعام 2024 وهو أمام خيارين: مثال تشي جينبنغ الذي اقنع قيادة الحزب الشيوعي الصيني إلغاء المدة الزمنية للرئاسة وتنصيبه رئيسا مدى الحياة. أما الثاني فيمكن لبوتين أن يتبع نموذج دينغ زياو بينغ والتقاعد عن المسؤوليات اليومية على أمل التأثير على السلطة من وراء الستار. لكنه كما تقول مجلة «إيكونوميست» (22/3/2018) سيصبح خارج اللعبة إن لم يظهر تصميما ودهاء في التحكم باللعبة السياسية وكشف عن مظاهر ضعف تسمح لمنافسيه والذين ينتظرون انتهاز الفرصة والانقضاض. فالنخبة الروسية بدأت عمليا التنافس على موقعه مع أن النتائج غير معروفة. وفي أسوأ الحالات قد تتبنى روسيا نموذجا متطرفا من القومية التي طبعت السياسة التي بشر بوتين بها وحاول من خلالها إقناع الروس أن بلادهم تتعرض لهجوم الأعداء وليست بحاجة للتعلم من الأجانب أفكارا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية. وترى المجلة أن هذا الموقف دفع باتجاه نوع من الحرب الباردة التي قادت إلى التلاعب بالانتخابات والاغتيالات في الخارج، ولحروب حقيقية في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وسوريا.

الجيل الجديد

ومع ذلك هناك خيار آخر يتمثل بنخبة روسية في الثلاثينات من عمرها، جاءت نتاجا لرغبة بوتين تحويل روسيا إلى بلد «طبيعي». وبالنسبة لأفراد هذه النخبة فطريقة حكم بوتين قديمة ولا تعجبهم أجندته المحافظة، قيمه التقليدية، ارثوذكسيته وميوله للعزلة. وعليه فسيلعب هذا الجيل الجديد دورا في تشكيل المرحلة التي ستعقب نهاية فترة بوتين في الحكم. وتضم هذه النخبة حكام مناطق ورجال أعمال وساسة مستقلين. وهم وإن اختلفوا وتنافسوا فيما بينهم، وهذا أمر عادي، إلا أن ما يجمع بينهم كثير، أكثر من قربهم من الكبار في العمر المفترض أنهم قادتهم. وعلى خلاف جيل الاتحاد السوفييتي فعادة ما ينظرهذا الجيل لنهاية الحرب الباردة كانتصار للحس العام وليس هزيمة. وهم متعلمون ويعرفون الحياة والعالم بفعل الأسفار ولا يعانون من عقدة نقص مثل التي قادت بوتين وجيله لتقليد الغرب ومن ثم مهاجمته. ولهذا السبب فهم يتعاملون مع البعد المادي كأمر واقع ويؤمنون بأهمية الشفافية والقواعد وحكم القانون بعدما راقبوا الفساد والدعاية والكذب الذي مارسه عليهم بوتين. وتعتقد «إيكونوميست» أن السنوات الست المقبلة من حكم بوتين ستشهد تأكيد هذا الجيل حضوره في كل مجالات الحياة الروسية. وتعكس مراكز الأبحاث والصحافة أفكارهم ومن بين 85 حاكما إقليميا هناك ستة أعمارهم تحت سن الأربعين. وبدأ بوتين بتوظيف التكنوقراط الشباب في مراكز الكرملين والوزارات، مدفوعا على ما يبدو بأن يحافظ هؤلاء على ميراثه السياسي، والمشكلة هنا هي عدم وجود المؤسسات لنقل السلطة بطريقة سلمية من زعيم إلى زعيم، فمن يرحل عن السلطة لا يعرف ماذا سيحصل له ولزوجته. ومن هنا فالجيل الجديد الذي يحاول بوتين رعايته وتقديمه في المناصب قد يرفضه في النهاية، تماما كما فعل هو نفسه مع بوريس يلتسين الذي جلبه إلى السلطة.

هل سينجح؟

وبنفس السياق فلا يوجد ما يضمن نجاح الجيل القادم في إضفاء الطبيعية على علاقة روسيا مع الغرب خاصة أن تاريخها يحفل بالمحاولات المتعددة للتقارب معه وظلت تدور بين الطموح والمواجهة. فقد أدت عقلية «الحصن» التي عمل بوتين على تقويتها إلى ظهور حس من الحسد والنقمة والشعور بالضحية. وكما قال اليكسي نافلني، المعارض الذي منع من المشاركة في الإنتخابات فإن عدوه ليس بوتين وشلته ولكن حالة الإجهاد التي تعتري معظم الروس بأنهم غير قادرين على عمل شيء. فلو حاولت القوى الأمنية استغلال مناخ الخوف للحفاظ على مميزاتهم فلربما لعب الروس دور المتواطيء معها.

من الداخل

من سيقرر نتيجة الصراع على مستقبل روسيا هم الروس أنفسهم، إلا أن الغرب يمكنه لعب دور هام في المصير الروسي تماما كما لعب أثناء الحقبة الروسية من ناحية ثقافية وإعلامية وأخلاقية وليس عسكرية. ولم ينهر الاتحاد السوفييتي إلا بعد عقود، لكن روسيا بوتين اليوم ضعيفة اقتصاديا حيث يحاول تأكيد شرعيته من خلال الصراع في الداخل والخارج. وعليه فلا يمكن احتواء بوتين ومغامراته إلا من خلال بناء رواية بديلة عن روايته، رواية تعبر عن الشعب الروسي، تماما كما فعل الغرب عندما فرق بين النخبة السوفييتية الحاكمة والشعوب التي تحكمها. وتعترف «إيكونوميست» أن الغرب يواجه مشكلة لدى الروس، فهو لم يعد النموذج الذي يحتذى، فطريقة معالجة الاتحاد الأوروبي لتحديات المرحلة لا تعطي ثقة به، كما أن رئاسة دونالد ترامب الذي عمل بوتين جهده على وصوله للسلطة شوهت صورة الغرب. وفاقم ترامب من الوضع عندما هنأ بوتين بالفوز الجديد بدون أن يشير للانتهاكات التي تمارسها روسيا في الداخل والخارج. والرسالة هي ان القوة على حق بشكل يمنع بروز الجيل الجديد ويبرر النزعات العدوانية لمعارضيهم. وهذا غير جيد لروسيا والعالم. وكما كتب الفيزيائي الروسي أندريه ساخاروف، الحائز على جائزة نوبل، فلن يشعر العالم الخارجي بالأمان في بلد ينتهك حقوق الإنسان لشعبه.

تحليل خيارات القيصر

ذكرنا في البداية، بدأت مسألة خلافة بوتين بعد فوزه مباشرة ولهذا فهو يواجه معضلة ماذا سيفعل ومن سيختار وهل سيفوز من سيقع عليه الاختيار؟ خاصة أن الدراسات في انتقال السلطة داخل الأنظمة الديكتاتورية تظهر أن رجل الديكتاتور قد لا ينجح في تحقيق ما يريده سيده. وفي قراءة مشتركة لكل من أندريا كيندال – تايلور، التي عملت في مجلس الاستخبارات القومي، والباحثة في جامعة جورج تاون وإريكا فرانتز، استاذة العلوم السياسية في جامعة ميتشغان نشرها موقع «فورين أفيرز» (21/3/2018)، فأمام بوتين ستة أعوام لترتيب عملية نقل السلطة، وكلما اقتربت نهاية فترته كلما زاد قلق الروس العاديين والنخبة. ومشكلة بوتين ليست جديدة في الأنظمة الديكتاتورية خاصة من راكم منهم كل السلطات في يديه، حيث تنهار الأنظمة بعد خروجه بسبب غياب الآليات لتسهيل عملية نقل السلطة. ويواجه بوتين والحالة هذه عددا من الخيارات لكي يظل في دائرة الضوء، منها اختيار خليفة له وترتيب انتخابات لشرعنة ربيبه، وهو ما فعله عام 2008 عندما اختار ديمتري ميدفيديف كمرشح للرئاسة وتولى هو منصب رئيس الوزراء. وتظهر الدراسات التي أجراها الخبير جيسون براونلي أن الطغاة الذين يخلقون أحزابهم السياسية تكون لديهم القدرة على تحديد من سيخلفهم أكثر من محاولة المقايضة مع الحزب الذي أنشئ قبلهم. وتلخص حالة الديكتاتور حسني مبارك هذا الوضع. فعندما حاول تسليم السلطة لابنه جمال، أثار معارضة داخل قواعد الحزب الوطني الذي أنشئ سابقا 1976 باعتبار ان اختيار جمال يخرق قوانين الحزب. ومع أن اختيار خليفة قد يكون الطريق الأسلم إلا أن التجارب الماضية أثبتت أن المرشح المختار قد يفشل. ففي عام 2003 خسر مرشح دانيال أراب موي في كينيا الانتخابات. وكذا مرشح الرئيس الغاني جيري رولينغز الذي خسر انتخابات عام 2000. وعادة ما يخسر المرشح المختار عندما يكون الاقتصاد في وضع غير جيد. وقد تكون هذه نتيجة محتملة بالنسبة لبوتين الذي يواجه عقوبات غربية وأوضاعا اقتصادية صعبة.
الخيار الثاني أمام بوتين هو تغيير الدستور وتقوية البرلمان وتغيير صفته الرسمية كما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دعا لاستفتاء عام، من أجل بناء نظام رئاسي قوي. واستقال من منصبه كرئيس للوزراء وانتخب رئيسا عام 2014. وعلى ما يبدو يحاول سيرج سارغسيان الرئيس الأرمني السير على الطريق نفسه. ويمكن لبوتين السير على هذا الطريق حيث يملك دعم ثلثي البرلمان لتغيير الدستور.
أما الخيار الثالث فهو تغيير الدستور كما فعل الرئيس الصيني والرئيس اليوغندي يوري موسيفني ورئيس بيلاروس الكسندر لوكاشينكو. والمشكلة أن تمديد أو إلغاء مدة الرئاسة قد تؤدي إلى احتجاجات كما حدث في بوركينا فاسو عام 2014 عندما حاول بليز كومباري تمديد فترة حكمه حيث أجبرته الاحتجاجات على الخروج من السلطة بعد 27 عاما في الحكم. وربما تعلم بوتين من نجاح الرئيس الصيني وحاول إلغاء مدة الحكم في أقرب وقت. وتلاحظ الكاتبتان أن التوجهات الدولية تدعم ميل بوتين، حيث تكشف البيانات عن محاولات القادة البقاء أطول مدة في الحكم من خلال التخلص من المدة التي تحدد فترة ولايتهم. ويكشف «مشروع الدستور المقارن» أنه ومنذ نهاية الحرب الباردة هناك زيادة بأربعة أضعاف لتمديد مدة حكم الديكتاتوريين.
وعندما يلغي القادة المدة المحددة لحكمهم فإن التداعيات السياسية غير واضحة. ولو قرر بوتين المضي في هذا الطريق فهناك احتمال أن يظل في السلطة حتى وفاته. وتكشف الدراسات أن رحيل الديكتاتور وهو في منصبه يسهل من عملية نقل السلطة. فدراسة لـ 79 حالة ديكتاتور حكموا في الفترة ما بين 1946- 2012 أظهرت أن النظام حافظ على استقراره بعد وفاة الديكتاتور بنسبة 92 في المئة وتقدم حالة كل من إسلام كريموف حاكم أوزبكستان وسابرامرات نيازوف حاكم تركمنستان مصداقا لهذه النظرة. والمشكلة تنبع حالة شعر الرأي العام الروسي أو النخبة المقربة منه بالملل، فعندها يبدو مصير النظام كئيبا.
وتكشف البيانات من 1946- 2012 أن خروج الديكتاتور من السلطة بطرق غير الوفاة الطبيعية أدى لانهيار النظام معه بنسبة 74 في المئة. وفي هذه الحالة لن يظهر مكانه نظام ديكتاتوري جديد بقدر ما يتجه المسار السياسي نحو اللبرلة. ومن هنا فخيار إطالة حكم بوتين قد يكون جذابا للحلقة القريبة منه إلا أنهم على المدى البعيد سيجدون أنفسهم عرضة للإنكشاف بتداعيات غير مرغوبة. وفي النهاية يعرف الروس وبوتين أن قرار من يخلف الرئيس قريب ونتائج يوم الأحد الماضي سرعت من دقات عقارب الساعة.

انتخابات 2018: فاز القيصر بوتين فهل بدأ الصراع على روسيا ومن سيخلفه؟

إبراهيم درويش

COMMENTS

الاسم

أخبار,88,القدس العربي,4,القدس العربي Alquds Newspaper,60,اليمن,25,إنفوغراف,23,ترجمات,177,رصيف 22,1047,ساسة بوست,507,سياسة,330,كاريكاتير,65,كتابات,1,
rtl
item
aajilpost: انتخابات 2018: فاز القيصر بوتين فهل بدأ الصراع على روسيا ومن سيخلفه؟
انتخابات 2018: فاز القيصر بوتين فهل بدأ الصراع على روسيا ومن سيخلفه؟
http://www.alquds.co.uk/wp-content/uploads/picdata/2018/03/03-24/24qpt989.jpg
aajilpost
https://aajilpost.blogspot.com/2018/03/2018.html
https://aajilpost.blogspot.com/
http://aajilpost.blogspot.com/
http://aajilpost.blogspot.com/2018/03/2018.html
true
3412385559966603101
UTF-8
تحميل جميع المشاركات لم يتم العثور على أي مشاركة عرض الكل إقرأ المزيد الرد إلغاء الرد حذف عبر الرئيسية صفحة رقم المشاركات عرض الموضوع بالكامل مواضيع متعلقة قسم إرشيف بحث جميع المشاركات لم يتم العثور على شيء مطابق العودة إلى الرئيسية الأحد الآثنين الثلثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat يناير فبراير مارس إبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر Jan Feb Mar Apr مايو Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec الآن منذ 1 دقيقة $$1$$ minutes ago منذ 1 ساعة $$1$$ hours ago يوم أمس $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون إتبع THIS CONTENT IS PREMIUM Please share to unlock نسخ الرمز بالكامل تحديد الرمز بالكامل تم نسخ جميع الرموز إلى الحافظة الخاصة بك Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy