اقتصادنا نما من 3.6% في 2016 -الأدنى في 22 عامًا- إلى 7.9% في 2017، وفي هذه السنة نتوقع أن ينمو 8.3% والذي سيجعله الاقتصاد الأسرع نموًا ...
اقتصادنا نما من 3.6% في 2016 -الأدنى في 22 عامًا- إلى 7.9% في 2017، وفي هذه السنة نتوقع أن ينمو 8.3% والذي سيجعله الاقتصاد الأسرع نموًا في العالم.
هكذا قال نانا أكوفو الرئيس الغاني خلال حديثه في السادس من مارس (آذار) الجاري، متعهدًا بمواصلة إصلاح الاقتصاد بهدف جعل غانا أقل اعتمادًا على المساعدة، إذ أكد أن بلاده تمضي قدمًا نحو تحقيق هدفها لخفض عجز الموازنة إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، من 5.9% في العام السابق، وتكشف هذه الأرقام عن قفزة وانتعاشة ملحوظة، وهي ليست توقعات حكومية فقط، ولكن سبقتها في ذلك المؤسسات المالية والبنوك العالمية، وعلى رأسها البنك وصندوق النقد الدوليين، بالإضافة إلى بنك التنمية الأفريقي، ومعهد بروكينغز.
قد تكون هذه الأرقام غريبة بعض الشيء على دولة مثل غانا، إذ كان يعيش 53% من سكانها في الفقر المدقع خلال عام 1991، هو الأمر الذي يجعل من هذا التحول مثالًا مدهشًا لخروج دولة من أعماق الفقر إلى صدارة النمو العالمي، وذلك في وقت يمكن وصفه بالقياسي، إذ تمكنت البلاد من خفض هذه النسبة إلى 21% في عام 2012، بينما تراجعت النسبة في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الفقر في غانا تنخفض سنويًّا بواقع 1.1% منذ عام 2006، وبالرغم من أن هذا الرقم يعد إيجابيًّا، إلا أنه ما زال هناك فجوة كبيرة بين الأسر الريفية والحضرية؛ إذ لا يمثل معدل الفقر حاليًا في المناطق الحضرية 10.6%، وهذا المعدل يتضاعف في المناطق الريفية، بينما تؤكد مؤسسة «CUTS» البحثية، أنه لا تزال قطاعات كبيرة من السكان الغانيين محرومة من مكاسب النمو، وهذا هو التحدي الأبرز للحكومة خلال العام الجاري، إذ تشدد المؤسسة على أهمية أن تعمل الحكومة على معالجة عدم المساواة المتصاعد، وهو ما سيؤدي إلى خفض نسبة الفقر بصورة أكبر.
ويرى الباحثون في المؤسسة أن نسبة كبيرة من عدم المساواة تأتي من خلال الإنفاق على التعليم والصحة، وذلك يرجع إلى استفادة الجميع بالنسبة نفسها من هذا النوع من الإنفاق، وليس توجيه هذا الإنفاق للشريحة الأفقر، لكن مؤخرًا ارتفعت ميزانية قطاع التعليم بنسبة 11% في 2018 مقارنة بالعام الماضي، فيما زادت مخصصات الاستثمار في البنية التحتية للتعليم، وهو ما سيضيق فجوة عدم المساواة، وبعيدًا عن الخوض في تفاصيل الإنفاق، يبقى السؤال: كيف نجحت غانا في التغلب على الفقر لتتصدر الآن دول العالم من حيث النمو الاقتصادي؟
في الواقع برزت غانا بصفتها بلدًا رائدًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خلال آخر عقدين، إذ حققت خلال هذه الفترة نموًا اقتصاديًّا قويًّا، يقودها الآن للتربع على صدارة الدول الأكثر نموًا حول العالم، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي حقق مؤشر بورصة غانا القياسي أعلى معدل نمو في العالم، وذلك بنسبة 19%، وذلك حسبما ذكرت «بلومبرج»، وهو النمو الذي يعد مؤشرًا على وجود تفاؤل كبير بين المستثمرين بمستقبل هذا البلد، خاصةً أن غانا على أعتاب الانتهاء من برنامج مساعدات بقيمة 918 مليون دولار مع صندوق النقد الدولي، كان هدفه رفع النمو، وخفض الدين العام والتضخم، ويبدو أن البلاد لن تكون في حاجة إلى مثل هذه البرامج مجددًا.
كيف عبرت غانا من الفقر إلى الأسرع نموًا؟
يمكن رصد عدة أسباب كان لها أثر كبير في إحداث هذه النقلة في غانا، ودفعها للعبور من الفقر إلى الأسرع نموًا، وأبرز هذه الأسباب هي:
استقرار سياسي بعد تاريخ حافل بالانقلابات
يمكن اعتبار الاستقرار السياسي أهم أسباب نجاح غانا في الوقت الحالي، ففي السابع من يناير 2017، أدى نانا أكوفو أدو اليمين الدستورية، ليصبح رئيس دولة غانا في مراسم حضرها عشرات الزعماء الأفارقة، في علامة على انتقال سلمي للسلطة يندر حدوثه في منطقة تجتاحها الأزمات السياسية، كما يأتي هذا بعد أن مرت البلاد بنحو خمسة انقلابات عسكرية، منذ استقلت عن بريطانيا عام 1957، وذلك بعد أكثر من قرن من المقاومة المحلية، إذ أصبحت أول دولة تقع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحصل على استقلالها عن الاستعمار الأوروبي.
وكان الانقلاب الأول في فبراير (شباط) 1966، وذلك بقيادة اللواء إيمانويل، الذي انقلب على كوتوكاكوامي نكروما أول رئيس للبلاد، وأحد مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليًا)، بينما وقعت الانقلابات الأربعة الأخرى بين 1972 و1981، وكان جيري راولينغس آخر من قام بانقلاب، إلا أنه أصبح أول رئيس منتخب بين 1993- 2003.
ويمكن القول إن تجربة التحول الديمقراطي في غانا بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 1992، وما زالت مستمرة حتى الآن، وشهدت البلاد خلال هذه الفترة نحو سبعة انتخابات رئاسية، انتقلت فيها السلطة دون أي مظاهر عنف بين خمسة رؤساء، وتبادل فيها الحزبان الكبيران في البلاد «الحزب الوطني الجديد» و«المؤتمر الوطني الديمقراطي» مقاليد السلطة ثلاث مرات، وفي الوقت ذاته لعبت الأحزاب الأخرى الصغيرة دورًا سياسيًّا، ولكنه محدود بشكل كبير، وبالتالي تمكنت غانا من التحول إلى نظام التعددية الحزبية بعد أن عانت من الاستبداد وسيطرة العسكريين على نظام الحكم عقودًا طويلة.
وصنع هذا الاستقرار السياسي حالة اقتصادية إيجابية جدًا بالنسبة للبلاد، بخلاف الصراعات السياسية التي تعيشها كثير من الدول الأفريقية، فالاستقرار السياسي يعد أهم مقومات التنمية الاقتصادية، ويؤثر بشكل ملموس في المناخ الاقتصادي، وقطاعات السياحة، والاستثمار، وسوق الصرف الأجنبية، كما أن عدم الاستقرار يكون له آثار اقتصادية سلبية خاصةً في البينة التحتية والتنمية الاقتصادية.
أسلحة أكوفو أدو.. معركة ضد الفساد والبعد عن «صندوق النقد»
منذ اليوم الأول لأكوفو أدو أعلن خوضه معركة ضد الفساد، خاصةً أن أكوفو أدو كان قد شغل في السابق منصب المدعي العام لغانا من سنة 2001- 2003، ويبدو أن هذه المعركة كان لها أثر إيجابي كبير في الوضع الاقتصادي في غانا خلال عام 2017، إذ كشف مؤخرًا أنه يأمل ألا تعود بلاده مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي، أو أي خطة إنقاذ من هذا النوع مجددًا، إذ تعتمد سياسته على خفض نسبة الديون، والاتجاه إلى الإصلاح الاقتصادي من خلال محاربة الفساد، وإصلاح منظومة الضرائب بعيدًا عن الاقتراض الداخلي، ومع الزيادة الملحوظة في إيرادات البلاد سيكون هناك فرصة كبيرة لتحقيق هذه الأهداف، دون اللجوء إلى طريقة النقد الدولي في الإصلاح، والتي تعتمد في الأساس على الإجراءات التقشفية.
ومن خلال هذه المعركة تمكنت الحكومة خلال 2017 من إنقاذ نحو 7 مليارات دولار بعد مراجعة صفقات قطاع الطاقة التي وقعت سابقًا، والتي تغطي عقدًا مدته 13 عامًا، بينما تم إنهاء 11 عقدًا آخر، وكشف أكوفو أدو كذلك عن استرداد ما لا يقل عن 200 مليون دولار من خلال عمليات استعراض قيمة مقابل المال، دون ذكر تفاصيل، فيما توعد كل من يثبت إدانته بالفساد.
وجاء ترتيب غانا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2017، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، في المركز 81 ضمن 180 دولة من جميع أنحاء العالم رصدهم المؤشر، وهو ترتيب يعتبر متقدمًا جدًا مقارنة بدول أفريقيا والشرق الأوسط التي شغلت ذيل الترتيب، وفي الاتجاه نفسه عين الرئيس الغاني أحد الناشطين في مجال مكافحة الفساد مدعيًا خاصًا، وذلك رغبة في محاربة الرشوة، وهو ما لقي استحسان كثير من الغانيين.
سنخفض الضرائب لنعيد الزخم لاقتصادنا، غانا فتحت أبوابها للعمل مجددًا.
كان هذا التعهد الاقتصادي الأول في خطاب الأول لرئيس غانا الجديد منذ أكثر من عام، قائلًا إنه سيحمي الأموال العامة من خلال الاستخدام الأمثل لإنفاق المال على الخدمات، وعلى ما يبدو فقد نجحت خطة أكوفو أدو في إعادة النمو الاقتصاد للانتعاش مرة أخرى، فبعد أن انخفض من 14% في عام 2011 إلى 3.5% في عام 2016 -وهو أدنى مستوى في عقدين من الزمن- انتعش في عام 2017، مرتفعًا إلى 7.9%.
وقبل أن يتولى أكوفو أدو مقاليد الحكم في البلاد كان اقتصاد غانا متعثرًا، إذ كانت انتخابات 2016 بمثابة استفتاء على الاقتصاد، فقد عانت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، من أزمة عملة ونقص في الكهرباء، وهو ما دفعها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، خاصةً بعد أن اتجهت الحكومة لزيادة الإنفاق؛ مما فاقم العجز المالي والتضخم.
النفط.. زيادة بنسبة 124% في قيمة صادراته خلال 2017
ينظر إلى النفط بوصفه أهم الموارد التي دفعت اقتصاد غانا إلى الأمام خلال العام الماضي، فبحسب المحللين فإنه في الأشهر الثمانية عشر الماضية، بدأ حقلان نفطيان رئيسيان قبالة ساحل غانا في الإنتاج، وفي عام 2017، قفز الإنتاج إلى ما يقرب من 60 مليون برميل؛ مما أدى إلى زيادة إيرادات صادرات النفط بنسبة 124% عن 2017، وفقًا لإحصائيات البنك المركزي، كما توقع أن يمهد الطريق لمزيد من التنقيب عن النفط، بينما وقعت شركة أكسون موبيل صفقة للتنقيب مع الحكومة في يناير الماضي.
ومنذ 2012، أصبح النفط يحتل المركز الثاني من صادرات غانا، إذ تمتلك البلاد عدة أحواض نفطية بحرية تم اكتشافها منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين، وحقق طفرته الإنتاجية عقب اكتشاف شركة أمريكية حقل «جوبيلي» في 2007، ليقفز الإنتاج النفطي من 8 آلاف برميل يوميًّا عام 2010، إلى نحو 80 ألف برميل في 2012.
عمومًا، يبقى نجاح غانا الحقيقي في القطاع النفطي متوقفًا على إدارة البلاد لموارد هذا القطاع، واستخدامه في تنويع الاقتصاد، وتوظيف هذه الطفرة في الوصول إلى نمو مستدام، من خلال إيصال عائدات النفط إلى التعليم والزراعة والتصنيع، وهو الأمر الذي سيعطي قطاعات الأعمال الأخرى الفرصة للتوسع، وكذلك ستكون فرص دخول الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد أكبر ودائرتها أوسع.
على الجانب الآخر، استفاد اقتصاد غانا من ارتفاع أسعار السلع عالميًّا، وارتفاع الطلب على الكاكاو الذي يعد ضمن أهم موارد الدخل في البلاد، إذ إن مصانع الكاكاو لديها عقود لبيع إنتاج عام 2018، وهي السنة الأولى التي يتم فيها البيع بهذه الوتيرة بحسب المصنعين، الذين قاموا بمضاعفة طاقة مصانعهم لتغطية هذه العقود، فيما تساعد مبيعات الكاكاو في رفع قطاع الزراعة في غانا بشكل عام، وهو القطاع الأهم في البلاد حاليًا، خاصةً بعد أن سجل أفضل ربع له في نهاية 2017 منذ عام 2010، مدفوعًا بمحصول وأسعار الكاكاو.
واستفادت صادرات غانا من ارتفاع أسعار السلع مثل الذهب الذي يعد أيضًا ضمن أهم صادرات البلاد، إذ حقق المعدن النفيس ارتفاعًا كبير ًابالأسعار خلال العام الماضي، ومن المنتظر أن يواصل الارتفاع خلال 2018، وهو ما يعني زيادة إيرادات غانا.
يشار إلى أنه، وبحسب «بلومبرج»، فإن غانا تخطط لنشر بيانات اقتصادية إجمالية ستوضح أن الناتج المحلي الإجمالي أكبر مما هو مقدّر حاليًا، إذ ستقوم البلاد بإعادة قياس الإنتاج الاقتصادي باستخدام أسعار عام 2013 بدلًا من عام 2006، إذ يبلغ حجم سابع أكبر اقتصاد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نحو 45 مليار دولار، ومن المتوقع أنا نشهد تغيرًا في هذا الرقم مع الإحصاءات الجديدة المنتظرة بعد وجود نقلة ملحوظة في البيانات حول القطاعات الاقتصادية في غانا.
The post رحلة غانا من الفقر إلى الاقتصاد الأسرع نموًا في العالم appeared first on ساسة بوست.
COMMENTS