إسطنبول ـ «القدس العربي»: يبدو الرئيس التركي رجب طيب أروغان راضياً إلى درجة كبيرة من استمرار من بات يصفه بـ«صديقه» فلاديمير بوتين في رئاس...
إسطنبول ـ «القدس العربي»: يبدو الرئيس التركي رجب طيب أروغان راضياً إلى درجة كبيرة من استمرار من بات يصفه بـ«صديقه» فلاديمير بوتين في رئاسة روسيا من أجل مواصلة التعاون بالمستوى نفسه في العديد من الملفات الهامة بين البلدين، أبرزها تلك المتعلقة بالملف السوري وإتمام صفقة المنظومة الدفاعية إس 400 وبناء محطات نووية روسية في تركيا، إلى جانب التعاون الاقتصادي المتنامي بين الجانبين.
ورغم أن العلاقات التركية الروسية شهدت تطوراً لافتاً في عهد أردوغان وبوتين، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة «التعاون الإستراتيجي» أو الثقة التامة، حيث يظهر مدى حرص أنقرة على التعامل بحذر كبير مع موسكو لا سيما في الملفات الحساسة المتعلقة بسوريا والعلاقات مع أوروبا وأمريكا.
في المقابل، وبالمقارنة بمستوى انهيار الثقة الحاصل في العلاقات التركية الأمريكية، وبالتزامن مع وصول العلاقة بين أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما إلى مرحلة «انعدام الثقة» كان بوتين قد تمكن من كسب ثقة أردوغان في العديد من الملفات، وباتت الأوساط التركية تتحدث فعلياً عن أن هناك حالة من الثقة المتبادلة بين الزعيمين.
وفي السنوات الأخيرة، جرت عشرات الزيارات المتبادلة واللقاءات الثنائية والاتصالات الهاتفية بين أردوغان وبوتين، وبات التنسيق بين البلدين يتم بشكل مباشر على مستوى الرؤساء، والاثنين، هاتف أردوغان بوتين لتهنئته بالفوز بالانتخابات الرئاسية، ومن ثم جرى التطرق إلى بحث العلاقات الثنائية والملف السوري وأكدا على عزمهما تعزيز التعاون بين البلدين.
قوة هذه العلاقة تجلت في أقوى صورها في تمكنهما ـ أردوغان وبوتين ـ من تجاوز أبرز تحديين واجها العلاقات بين البلدين في العقود الأخيرة وهما حادثة إسقاط الجيش التركي طائرة حربية تابعة لروسيا على الحدود مع سوريا، وما أعقبها من حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة.
وإلى جانب مستوى الثقة والتفاهم القائم بين المستوى السياسي في أنقرة وموسكو، باتت مجموعة كبيرة من المصالح المتنوعة تحكم العلاقات بين البلدين، وهو ما جعل من أردوغان يُفضل بقاء بوتين في الحكم لإتمام هذه الملفات خشية حصول أي تغيير في الإدارة الروسية يمكن أن يؤثر سلباً على سير هذه المصالح.
ففي الملف السوري، وفي الوقت الذي رأت فيه أنقرة أن واشنطن تستهدفها بشكل مباشر من خلال تقديم آلاف شاحنات الأسلحة لتنظيم وحدات حماية الشعب من أجل قيام كانتون كردي يهدد أمنها القومي، أبدى بوتين تعاوناً لافتاً مع تركيا وتفهماً لتخوفاتها في هذا الملف، وهو ما يدفع أنقرة للتمسك أكثر بتعاونها مع روسيا في سوريا لمعرفتها أن روسيا هي القوة الوحيدة القادرة على مساعدتها في مواجهة المخطط الأمريكي.
وفي سورياً، تعول تركيا على روسيا لمساعدتها في إفشال مشروع إقامة كيان انفصالي شمالي البلاد من خلال التوافق على ضمان وحدة الأراضي السورية، إلى جانب المساعدة في إنهاء الحرب الدائرة هناك من خلال مسار أستانة واتفاق مناطق خفض التصعيد، حيث من المقرر أن تجري قمة تضم إلى جانب بوتين وأردوغان الرئيس الإيراني حسن روحاني في إسطنبول الشهر المقبل في محاولة جديدة لإنهاء الحرب في سوريا التي أنهكت تركيا كثيراً ودفعتها للبحث عن أي طريقة لوضع نهاية لها.
من جهة أخرى، يسعى أردوغان بكل قوته من أجل الضغط على روسيا لتسريع تسليم موسكو لأنقرة الدفعة الأولى من منظومة صواريخ إس 400 الدفاعية وذلك بموجب الصفقة التي تم توصل إليها بين الجانبين العام الماضي، حيث حث قبل أيام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من موسكو بوتين على العمل على تسريع تسليم أنقرة للمنظومة التي يعول عليها أردوغان في تعزيز قدرات بلاده الدفاعية والضغط على الغرب لإمكانية بيعه منظومة الدفاع التابعة لحلف الناتو «باتريوت».
كما يسعى أردوغان إلى مواصلة التعاون مع بوتين في إقامة أكثر من محطة لتوليد الطاقة النووية في تركيا ضمن مساعيه لتوفير مصادر للطاقة في البلاد الفقيرة بمصادر الطاقة، وقبل أيام أكد أردوغان أنه سيضع قريبًا حجر الأساس لمحطة «آق قويو» النووية، في مدينة مرسين التركية مع نظيره الروسي.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا تحسناً لافتاً في الأشهر الأخيرة رغم أنها ما زالت متأثرة بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها بوتين عقب إسقاط الطائرة الروسية، إلى جانب عودة السياح الروس إلى تركيا بقوة ووصول عددهم إلى 4.5 مليون سائح في عام 2017.
وبشكل عام، يرى أردوغان في علاقاته مع بوتين نقطة ارتكاز رئيسية في مساعيه للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عبر التلويح بالتقارب أكثر مع روسيا على حساب الابتعاد عن الغرب الذي يتهمه أردوغان بتجاهل مصالح تركيا والعمل ضدها، لتبقى روسيا بالنسبة لأردوغان بمثابة حليف جيد وورقة ضغط وخيار بديل عن الناتو في حال انهيار العلاقات بشكل أكبر.
إسماعيل جمال
COMMENTS