تُعتبر إيطاليا المحطة الأساسية للاجئين السوريين الوافدين إلى أوروبا بطرق «غير شَرعية» عبر «قوارب الموت» في البحر الأبيض المتوسط. وهي غالب...
تُعتبر إيطاليا المحطة الأساسية للاجئين السوريين الوافدين إلى أوروبا بطرق «غير شَرعية» عبر «قوارب الموت» في البحر الأبيض المتوسط. وهي غالباً ما تكون محطةً مؤقتةً قبل الانطلاق إلى بلدان أوروبية أُخرى، وخاصةً في الشمال والبلدان الاسكندنافية. ويبحث اللاجئون السوريون الهاربون من ويلات الحرب السورية عن بلدان أوروبية تتيح استقراراً أفضل لهم على مستوى «الميزات» والإجراءات التي تتعلق بحق الحصول على اللجوء وما يتعلق به من «إقامة مؤقتة» ثم «إقامة دائمة» والضمان الصحي. ومن المعروف أن إيطاليا ليست خياراً جيداً على هذا الصعيد.
غالباً ما يصل اللاجئون السوريون إلى إيطاليا من ليبيا إلى جزيرة صقلية، ويتابعون طريقهم إلى البر الجنوبي الإيطالي ثم إلى الشمال، حيث تكون مدينة ميلانو، عاصمة إقليم لومبارديا والقريبة من الحدود السويسرية، محطة أساسية لهم. أوضاع اللاجئين السوريين الذين مروا بإيطاليا وغادروها إلى بلدان أخرى، أو الذين قرروا البقاء فيها، كانت متغيرة ومتحولة مع تغير كثافة موجات اللجوء وعدد اللاجئين، وأيضاً بالتزامن مع الأوضاع السياسية في هذا البلد والتحولات التي طرأت ومن الممكن أن تطرأ عليه لاحقاً. إلا أن الأوضاع لم تكن مقبولة، نسبياً، بالنسبة لهؤلاء على مدار السنوات الماضية، وبشكل خاص منذ منتصف عام 2013 وهي الفترة التي بدأت تظهر فيها موجات اللجوء الكبيرة إلى أوروبا والتي لم تكن بهذا الحجم في بداية الثورة السورية.
في محطة قطار ميلانو
غالباً ما تكون محطة القطار الرئيسية في ميلانو بوابة سفر اللاجئين السوريين الذين قرروا مغادرة إيطاليا بعد وصولهم إليها بفترة قصيرة، إلى بلدان أوروبية قريبة أو بعيدة، بحكم تقاطع شبكات السكك الحديدية في أوروبا والتي تشغل فيها هذه المحطة موقعاً مهماً جداً، عبر ربطها إيطاليا مع سويسرا والنمسا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية. وهي الحالة التي رصدها الصحافي الإيطالي السوري، وصاحب كتاب «سوريون في إيطاليا» والصادر باللغة الإيطالية، شادي حمادي والذي قال لـ«القدس العربي»:
«محطة ميلانو تحولت في عام 2013 إلى منامة، وإلى مكان إقامة لعدة أيام بالنسبة للاجئين السوريين قبل مغادرتهم إيطاليا. في البداية، لم تتدخل بلدية ميلانو مطلقاً، وكان عدد من السوريين المقيمين في إيطاليا منذ سنوات طويلة يقدمون مساعدات مالية وغذائية للاجئين السوريين الذين ينامون في المحطة، إلى جانب مساعدات كان يقدمها إيطاليون متعاطفون مع اللجوء السوري كحالة إنسانية، بمعزل عن تقييمهم للصراع في سوريا والموقف منه. وقد قام بعض هؤلاء السوريين والإيطاليين بفتح منازلهم لاستضافة اللاجئين السوريين فيها إلى حين سفرهم».
ومع التزايد الكبير لأعداد السوريين في محطة القطارات وحولها، وبعد أن تحدثت الصحافة الإيطالية ونشرَت عن هذه الأزمة الإنسانية التي تتصاعد وتكبر يومياً، اضطرت البلدية ميلانو إلى التدخل». ويوضح حمادي «بدأت البلدية بالعمل على دعم ومساعدة السوريين، واستأجرت (كاراج) كبيرا بالقرب من المحطة كمنامة للسوريين، لكن الحالة الإنسانية لهؤلاء لم تتحسن كثيراً. ثم تدخلت المنظمات غير الحكومية للمساعدة، وكان بعض هذه المنظمات وسيطاً بين بلدية ميلانو واللاجئين السوريين الذين كانوا يفترشون أرض المحطة. بعض هذه المنظمات عمِل بشكل جيد وصحيح، بينما كان عمل منظمات غيرها معيباً. فعلى سبيل المثال، خصصت البلدية مبلغ 35 يورو يومياً لكل سوري، وهو مبلغ يفترض أن يساعده في تدبر شؤون المنامة والمعيشة، لكن كان يصل منها إليه في بعض الأحيان 10 يورو، عبر بعض المنظمات الوسيطة».
ممرات آمنة
في كانون الثاني/يناير 2016 وقعت وزارة الداخلية الإيطالية اتفاقاً مع اتحاد الكنائس الكاثوليكية في إيطاليا وجمعية «سانت إيجيديو»، يقضي بافتتاح مشروع يحمل اسم «ممرات إنسانية» لمساعدة عدد محدد من اللاجئين السوريين في لبنان والذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة في ذلك البلد، في الوصول بشكل شرعي إلى إيطاليا عبر مطار بيروت. وقد استقبلت هذه المنظمات ألف سوري خلال عام 2016 ودفعات جديدة من اللاجئين خلال العام الفائت 2017. ويهدف المشروع إلى «فتح طريق آمنة وقانونية، تهدف إلى إنقاذ أرواح الناس ومحاربة أعمال المتاجرين بالبشر» حسب بيان «سانت إيجيديو».
وغادرت أول دفعة من اللاجئين السوريين لبنان في شباط 2016 واستمر المشروع في عمله حتى تشرين الأول/أكتوبر 2017 قبل أن يتم تمديد العمل به مع الحكومة الإيطالية في 8 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، لِتصلَ أول دفعة إلى مطار روما في 5 كانون الثاني/يناير 2018 بموجب إعادة توقيع الاتفاق الجديد مع الحكومة.
وبناءً على التجربة الإيطالية لمشروع «الممرات الإنسانية» تم افتتاح المشروع ذاته أيضاً من قبل منظمات إنسانية وجهات كَنسية في كل من فرنسا وبلجيكا، ومن المحتمل أن تنضم دول أوروبية جديدة إليه.
وتقوم المنظمات الإنسانية العاملة بموجب هذا الاتفاق باستقبال اللاجئين في منازل تتوزع على عدد من المدن الإيطالية «روما، وميلانو، وفينيسيا، وبادوفا، ونابولي، وتورينو»، ويعفى اللاجئون من أجرة البيت لمدة عامين ونصف العام. كما يتم تقديم دعم مادي لهؤلاء فور وصولهم وبشكل شهري، ثم تتناقص القيمة المادية المدفوعة لهم كلما تم تجديد العقد معهم، وهو ما يتم كل ستة أشهر. كما تساعد في تسريع إجراءات الحصول على تصريح الإقامة الدائمة من الجهات الحكومية المعنية، لكل السوريين الذين وصلوا عبر هذا المشروع.
ويصطدم الكثير من السوريين الوافدين إلى إيطاليا بمشكلة فرص عمل تؤمن لهم مستوى حياة مقبول، في بلد يعاني أساساً من أزمات اقتصادية على مستوى سوق العمل للإيطاليين أنفسهم، باعتبار أن المنظمات الكنسية المذكورة تكون مسؤولة عنهم لفترة فقط حسب الاتفاق والعقد الموقع معهم. ويتحدث الكثير من العاملين في هذه المنظمات عن صعوبة التغطية والدعم الطويل الأجل للاجئين السوريين، ويعترفون أن «ما يقومون به هو جزء صغير جداً في سياق أزمة عالمية تتصاعد يومياً مع عدم اتضاح أفق لنهاية الصراع في سوريا».
وبعد الانتخابات الإيطالية والتي جاءت نتائجها مخيبة للمنظمات الإنسانية التي تساعد اللاجئين والمهاجرين، سوريين وغير سوريين، وأيضاً للسوريين القلقين أساساً على وجودهم و«استقرارهم» في إيطاليا، باتت تصريحات زعماء «الرابطة» وغيرها من حركات يمينية وفاشية هنا محط أنظار ومتابعة أكثر من ذي قبل.
ويعتبر مراقبون وقانونيون أن الاتفاق على استقبال لاجئين سوريين بشكل «قانوني» عن طريق مشروع «سانت إيجيديو» سيستمر لهذا العام على الأقل، وأن الأزمة الأكبر ستكون من نصيب اللاجئين والمهاجرين «غير القانونيين». إلا أن انعكاس الانتخابات ونتائجها واحتمالات تشكيل حكومة إيطالية جديدة من عدمه لا بد أن يلقي بظلاله على الحالة القانونية والمعاشية للجميع.
غالباً ما يتم التعامل هنا مع أزمة اللاجئين السوريين كأزمة إنسانية محضة، مفصولة عن طبيعة الصراع وأسبابه في سوريا، وهذا قد يبدو «مفهوماً» بدرجة ما في أوساط المجتمعات الأوروبية والمنظمات العاملة على دعم السوريين في إيطاليا، وفي أوروبا بشكل عام. وإذا كانت بعض المنظمات غير الحكومية تعمل وفق إمكانيات محدودة على تخفيف هذه المأساة بدرجة ما، فإن الحل النهائي لهذه المأساة لا يزال منوطاً بالحكومات ومراكز صنع القرار في هذا العالم الذي لا تزال المأساة السورية إحدى أكبر العلامات الفارقة والواضحة في وجهه.
عبدالله أمين الحلاق
COMMENTS