كثيرًا ما يطمح الساسة للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، لكن شؤون السياسة وتقلّباتها قد تجعل بعضهم يترك هذه السلطة مرغمًا؛ إمَّا بسبب الخسا...
كثيرًا ما يطمح الساسة للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، لكن شؤون السياسة وتقلّباتها قد تجعل بعضهم يترك هذه السلطة مرغمًا؛ إمَّا بسبب الخسارة في الانتخابات، أو بسبب افتقاد الدّعم السياسيّ من حلفاء الأمس، أو لأسباب أخرى، لكن بعض السياسيّين لا ييأسون بمجرّد تركهم لكراسي السلطة؛ فيقرّرون عدم الاستسلام، والعمل من أجل العودة إلى الواجهة؛ لاستعادة مناصبهم مرّة أخرى، وإعادة بعث مسارهم السياسيّ من جديد.
الـ«ريمونتادا» كما يعلم – بالتحديد – عشاق الرياضة هي العودة من الخلف، وتحويل الخسارة الكبيرة إلى فوز عظيم دون استسلام. وفي هذا التقرير رصدنا ثلاثة نماذج لرؤساء يطمحون للعودة إلى السلطة من جديد بعد أن خرجوا منها في السنوات القليلة الماضية. فهل سيستطيعون تحقيق «ريمونتادا سياسيّة»؟
عبد الله جول وأردوغان.. نيران صديقة
الجميع في تركيا يحبس أنفاسه لمعرفة موقف الرئيس التركيّ الأسبق، عبد الله جول، من الانتخابات المبكّرة التي أعلنها أردوغان فجأة قبل أسبوع، والمزمع عقدها في يونيو (حزيران) المقبل.
تشير تقارير صحافيّة إلى أنّ الرئيس السابق يجري العديد من الاجتماعات والمشاورات قبل حسم قراره في خوض المنافسة الانتخابيّة ضد صديق الماضي، والرئيس الحالي، رجب طيّب أردوغان؛ إذ التقى جول بشخصيات سامية في النظام، من مسؤولين، ووزراء سابقين، وشخصيّات في المعارضة. أبرزهم وزير الخارجيّة الأسبق، أحمد داود أوغلو، بالإضافة إلى وزير البيئة والتخطيط العمرانيّ؛ من أجل حسم موقفه من المشاركة أو عدمها. وربما حشد الدّعم اللازم من قبل حلفائه في المعركة القادمة ضدّ أردوغان، إن قرّر دخول الانتخابات.
شغل عبد الله جول، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد من بريطانيا، عدّة مناصب أكاديميّة وسياسيّة منذ سنّ مبكّرة؛ إذ كان عضوًا في حزب «الرفاه» لرئيس الوزراء السابق، نجم الدين أربكان، ثم حزب «الفضيلة» بعد حظر حزب الرفاه؛ ليؤسّس بعد ذلك – برفقة أردوغان وآخرين – الحزب الحاكم حاليًّا في تركيا، «العدالة والتنميّة».
جول (يسار) وأردوغان (يمين)
كما شغل عبد الله جول عدّة مناصب حكوميّة، منها وزارة الخارجيّة، ورئاسة الوزراء لمدّة أربعة شهور سنة 2002؛ ليتنازل بعدها عن الرئاسة لزميله – في ذلك الوقت – أردوغان بعد أن انتهت مدّة منعه من ممارسة السياسة.
وفي عام 2007، وبعد فوز العدالة والتنمية بالأغلبيّة البرلمانيّة؛ أصبح عبد الله جول رئيس الجمهوريّة التركيّة بالانتخاب غير المباشر، بعد عدّة تجاذبات وصراعات داخل البرلمان؛ بسبب اعتراض الأحزاب العلمانيّة على تقلّده المنصب؛ ليواصل بقاءه فيه حتى سنة 2014؛ ليخلفه الرئيس الحاليّ، رجب طيّب أردوغان.
لماذا قرر أردوغان إجراء انتخابات مبكرة الآن؟ 3 أسباب تشرح لك
رغم الصداقة الطويلة التي جمعتهما، والتحالف السياسيّ الذي بدأ منذ زمن بعيد؛ إلاّ أنّ شؤون السلطة كانت لها كلمتها في التفريق بين الرجلين اللذين أسّسَا معًا الحزب الذي يحكم تركيا منذ سنة 2002.
وقد بدأت إشارات الخلاف بين الرجلين في الظهور عند صدور كتاب للمستشار الصحافي للرئيس السابق؛ كشف فيه عن اختلاف في الرؤى فيما يخّص الشأن السوريّ والمصريّ بين جول وأردوغان؛ إذ يرى عبد الله جول أنّ المقاربة التي سلكتها الخارجيّة في هذين الملفيْن لا تخدم مصالح تركيا، كما ظهر هذا الاختلاف في برقيّة «حسن النيّة» التي أرسلها جول إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سنة 2014 بعد وصوله إلى الرئاسة، في الوقت الذي لم يترك أردوغان أيّة فرصة لشنّ هجوم على السيسي وطريقة وصوله إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، الذي يقبع في السجن حتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، اختلفت رؤية جول مع أردوغان في طريقة التعامل مع احتجاجات الشباب في ساحة تقسيم سنة 2013؛ ففي الوقت الذي رأى أردوغان أنّ هذه الاحتجاجات تهدف إلى إسقاط حكومته بطريقة غير ديمقراطيّة، كان جول يدعو إلى الحوار والتعامل بطريقة أكثر مرونة معها.
ولعلّ أبرز محطّات الخلاف بين الرجلين كانت بعد انتقاد الرئيس السابق بشكل علنيّ لقانون طرحته الحكومة ينصّ على الإعفاء من المحاسبة القانونيّة عن أيّ عمل أسهم في إحباط المحاولة الانقلابيّة الفاشلة في 2016.
أردوغان وجول سنة 2003
بعد أن استطاع أردوغان تمرير التعديلات الدستوريّة التي جعلت النظام السياسيّ التركيّ رئاسيًّا باستفتاء شعبيّ في أبريل (نيسان) 2017؛ أعلنت مؤخّرًا الحكومة التركيّة عن انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة مبكّرة مقرّر إجراؤها في 25 يونيو (حزيران) من هذه السنة؛ أي أنّ الإعلان جاء قبل شهرين فقط من موعد الانتخابات؛ ممّا لا يترك – حسب مراقبين – مدّة زمنية كافية للمعارضة لتنظيم صفوفها لمجابهة الرئيس أردوغان؛ الأمر الذي ربما سيصبّ في صالح حظوظه للتجديد لعهدة رئاسية جديدة.
وما إن أعلنت الحكومة عن هذه الانتخابات المبكّرة حتّى اتّجهت أنظار المراقبين السياسيّين إلى موقف الرئيس التركيّ السابق عبد الله جول من هذه الانتخابات، واحتماليّة عودته من بوّابتها للسلطة مجدّدًا؛ لكن هذه المرّة بصلاحيّات أوسع بكثير من تلك التي كان يحوز عليها في الفترة ما بين 2007 و2014 عندما كان المنصب شرفيًّا إلى حدّ كبير.
بطرح الرئيس السابق جول نفسه بصفته شخصيّة معتدلة قادرة على تجميع المعارضة بمختلف أطيافها لمواجهة أردوغان، فإنّه – إن قرّر المشاركة – سيدخل في معركة سياسيّة مع صديق الماضي وزميل النضال والرجل الأقوى في السياسة التركيّة. فهل سيخاطر الرئيس السابق في التسبب ربما بانقسام داخل الحزب الحاكم من أجل العودة إلى كرسيّ الرئاسة، وجني ثمرة التعديلات الدستوريّة، وإنهاء «عهد أردوغان» في السلطة بتركيا؟
أردوغان يفقد صديقًا آخر بسبب السياسة.. هل ينافس «غُل» رفيق رحلته في 2019؟
أحمدي نجاد.. هل مِن أمل لمن يخرج عن طاعة المرشد؟
في أبريل من العام الماضي حمل محمود أحمدي نجاد، الرجل الذي جلس على كرسي رئاسة إيران منذ سنة 2005 حتى 2013، حقيبته التي تحوي مجموعة من الوثائق والأوراق، وتوجّه إلى مقرّ مجلس صيانة الدستور من أجل إيداع أوراق الترشّح إلى المنصب الذي تركه قبل خمس سنوات فقط، لكن المجلس كان له رأي آخر؛ إذ قرّر بأنّ حظوظ المهندس الذي لا يرتدي ربطة عنق في العودة إلى الرئاسة منتهية، رغم أنّ الدستور الإيرانيّ يسمح له بالترشح لعهدة ثالثة.
كان المرشد الإيراني قبلها قد «نصح» نجاد بعدم الترشّح؛ إلاَّ أنّ هذا الأخير قرّر تحدّي نصحية خامنئي في استعادة كرسيّ الرئاسة، وقدّم أوراقه رفقة نائبه سابقًا، حميد بقائي، ليقابل ملفّه بالرفض.
Embed from Getty Images
التوتّر في العلاقات بين الرئيس السابق والمرشد لم تكن وليدة اللحظة التي قرّر فيها نجاد تحدّي قراره والترشّح لرئاسيّات 2017 لمنافسة روحاني، بل كانت قد بدأت منذ العهدة الثانية لنجاد سنة 2009، والتي تخلّلتها اضطرابات ومظاهرات عُرفت بـ«الثورة الخضراء» بعد أن رفض أنصار المرشّح الاصلاحيّ مير حسين موسوي نتيجة الانتخابات التي فاز بها نجاد؛ إذ رأوا بأنها كانت مزوّرة.
وقد برز الصدام في 2009 مع المرشد للعلن حين عيّن نجاد صهره إسفنديار رحيم مشائي نائبًا أوّلاً له؛ وهو الرجل الذي لا يحوز على دعم المرشد الأعلى والحرس الثوريّ بسبب آرائه المثيرة للجدل، وقد طالب آية الله خامنئي بشكل صريح من نجاد إقالة مشائي؛ ليخضع الرئيس لضغط المرشد والشارع المحافظ، ويقيله.
بعد استبعاده من سباق الرئاسة: التاريخ المجهول للصراع بين المرشد ونجاد
الحادثة التي أخرجت الصراع الخفيّ بين المرشد والرئيس إلى العلن مجدّدًا كانت قرار نجاد إقالة وزير المخابرات حيدر المصيلحي، المدعوم من قِبل المرشد الأعلى والمؤسّسة العسكريّة، ليتدخّل خامنئي مجدّدًا معترضًا على قرار الرئيس ويعلن رفضه استقالة المصيلحي؛ ممّا جعل الرئيس نجاد يحتجّ ويعلن «إضرابه عن الرئاسة» لمدّة 11 يومًا.
بعد ترك نجاد لكرسيّ الرئاسة في سنة 2013، لم يتوقّف عن إبداء آرائه السياسيّة الناقدة للسلطة الجديدة؛ فقد أعلن مؤخّرًا مخالفته للموقف الرسميّ الإيراني في الملف السوريّ بقوله بأنّ «على الجميع الخروج من سوريا»، كما وجّه انتقادات للقضاء بسبب محاكمات تعرّض لها مقرّبون منه، وهاجم خامنئي في رسالة وُصفت بشديدة اللهجة وطالبه بإجراء إصلاحات عميقة، وطالب أيضًا بإجراء انتخابات رئاسيّة مبكّرة.
فهل تنجح جهود أحمدي نجاد ومواقفه المعارضة للسلطة والمؤيّدة للغضب المتنامي داخل الشارع الإيراني، في إرجاعه إلى كرسيّ الرئاسة، أم أنّ النظام الإيرانيّ سيتمكّن من إسكات الرئيس الأسبق الذي يرفض الخضوع لأوامر المرشد الأعلى؟
يأبى الاستسلام للمرشد.. أحمدي نجاد يواصل صراع «القط والفأر» في إيران
منصف المرزوقي.. هل يسكن قصر قرطاج مرّة أخرى؟
قليلًا ما تتّخذ الانتخابات البلديّة في أيّة دولة اهتمامًا كبيرًا، لكن الوضع في تونس مختلف تمامًا بالنسبة للانتخابات التي ستجرى في مايو (أيّار) القادم؛ إذ تعدّ نوعًا ما سبرًا للآراء، وامتحانًا لقوّة الأحزاب السياسيّة المختلفة، وتمهيدًا للموعد الانتخابيّ الأبرز في السنة القادمة: انتخابات الرئاسة 2019.
وإلى جانب حزب «نداء تونس» الذي أسّسه الرئيس الحاليّ الباجي قايد السبسي، و«حركة النهضة» المُشاركة في الحكومة؛ يظهر حزب «حراك تونس الإرادة» الذي يقف خلفه أوّل رئيس لتونس بعد الثورة محمد منصف المرزوقي؛ عازمًا على تحقيق نتائج إيجابيّة لفرض نفسه في الساحة السياسيّة قبل موعد 2019 المرتقب.
قضى منصف المرزوقي سنوات طويلة في المنفى بفرنسا أثناء حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ليعود إلى تونس مباشرة بعد الثورة في 2011، ويعلن دخوله الساحة السياسيّة عبر تأسيس «حزب المؤتمر» من أجل الجمهورية، وبعد فوز الحزب بـ29 مقعدًا في أولى انتخابات المجلس التأسيسي التي شهدتها البلاد منذ سقوط نظام بن علي. اتّفقت الأحزاب الثلاثة الأولى الفائزة في الانتخابات على تشكيل حكومة الترويكا المتكوّنة من: حركة النهضة، والمؤتمر، والتكتّل؛ وقد انتخب المجلس التأسيسي المرزوقي رئيسًا للجمهوريّة في ديسمبر (كانون الأوّل) 2011 حتى إجراء انتخابات رئاسيّة سنة 2014.
فاز الباجي قايد السبسي بانتخابات 2014، وهو أحد رجال نظام بن علي، البالغ من العمر 88 سنة آنذاك، في مواجهة نظر إليها الكثيرون باعتبارها معركة انتخابيّة حاسمة بين مرشّح يمثّل الثورة أمام مرشّح يمثل الأنظمة التي قامت ضدّها ثورات الربيع العربيّ.
ورغم أنّ المرزوقي اعترف بنتائج الانتخابات وهنّأ الرئيس السبسي بفوزه؛ إلاّ أنّه لم يستسلم للأمر الواقع، ولمّح في أكثر من مرّة إلى احتماليّة ترشّحه للانتخابات الرئاسيّة في 2019 من أجل استعادة كرسيّ الرئاسة.
وتأتي مشاركته القويّة في الحملة الدعائيّة لحزبه في الانتخابات البلديّة التي ستجري في مايو القادم في سياق تحضير لعودة سياسية مرتقبة ومواجهة جديدة يستعيد من خلالها ما سُلب منه في 2014 بعد أن فقد كرسيّ الرئاسة بفارق 300 ألف صوت فقط، في سياق سياسيّ جدّ متوتّر عرف احتجاجات شديدة واحتقانًا سياسيًّا بين حكومة الترويكا والمعارضة، وأزمة أمنيّة بفعل الهجمات الإرهابيّة التي كانت تضرب البلاد؛ ممّا كاد يهدّد المسار الديمقراطيّ الذي بدأته البلاد بعد الإطاحة ببن علي في سنة 2011.
وقد وضعت بعض استطلاعات الرأي المرزوقي في المراتب الأولى من بين المرشّحين الأكثر احتمالًا للفوز، فهل سيستطيع المرزوقي أن يحقّق نصرًا سياسيًّا في الانتخابات البلديّة القادمة، وهل سيدشّن هذا النصر – إن وقع – لعودة محتملة إلى قصر قرطاج؟
The post جول ونجاد والمرزوقي.. هل يحققون الـ«ريمونتادا» السياسية؟ appeared first on ساسة بوست.
COMMENTS