لا وصف لسعادة أكثر من أن يكون لك وطن تحبه ويحبك، تفتخر بعلمه، بثقافته، برقي حضارته، بإنسانيته، نعم سأكتب لكِ اليوم مدينتي الحبيبة. الموصل...
لا وصف لسعادة أكثر من أن يكون لك وطن تحبه ويحبك، تفتخر بعلمه، بثقافته، برقي حضارته، بإنسانيته، نعم سأكتب لكِ اليوم مدينتي الحبيبة.
الموصل ثاني أكبر محافظة بعد البصرة في العراق، التي اشتهرت بعراقتها، وثقافاتها المختلفة، وتعدد قومياتها، بمعنى أجمل كانت مثالاً «للتعايش السلمي» بين جميع القوميات والأديان والطوائف «سنة، شيعة، أكراد، التركمان، شبك، مسيح، يزيدين» هكذا كانت «الموصل» أو «نينوى» أو «أم الربيعين»، وتسميات أخرى كثيرة، توصف مدى جمال هذه المدينة، إذ يتراشق عليها الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم؛ لزيارة عتباتها المقدسة، وأماكنها الأثرية، ومراكزها العلمية.
سنة 2014 وبلمح البصر، دخل تنظيم وحشي إلى المدينة وأشعل حربًا دموية، كان مفادها قتل الآلاف من الأبرياء، وتدمير شامل للمدينة من أزقة ومناطق وأماكن أثرية، وحتى الجوامع المقدسة، إذ اجتاح الخوف المواطنين، الذي أدى إلى نزوح عدد كبير من المواطنين إلى خارج المدينة، وترك بيوتهم خوفًا من هذا التنظيم المرعب، إذ خاض تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ«داعش» حربًا نفسية ضد المواطنين الأبرياء، وقام بإصدار أوامر قسرية ضد المواطنين، وأن من لم يتبع هذه الأوامر نصيبه الموت لا محال، وبعد صراع وصبر مواطني المدينة مع هذا التنظيم الأسود، تتحررت المدينة، لكن الدمار عارم، دمار المدينة أولاً، والدمار النفسي للمواطنين ثانيًا.
بعد تطهير الموصل من عصابات داعش المجرمة، وفي خضم الخراب والدمار الحالك للمدينة، وفي الليالي المظلمة كانت هناك نجوم تلمع وسط عتمة الليل، إنها نجوم الأمل تجمعت لتصبح شمسًا ساطعةً ينيرون بها، بالعلم، بالثقافة، بالأمل، نعم هم أبناء الموصل.
رصيف الكتب:
هو معرض أسبوعي لبيع الكتب وشرائها، والأعمال الفنية، افتتح قرب أسوار جامعة الموصل في المجموعة الثقافية، بجهود شباب المدينة البسيطة في الجانب الأيسر للمدينة، بعد خروج تنظيم داعش منها، إذ أصبح هذا الرصيف المتواضع بكتبه المتنوعة ملتقى ثقافيًّا للمواطنين، كل يوم جمعة، إذ أصبحت منبرًا للنشاطات العلمية والثقافية، وحتى اللقاءات التلفزيونية، من هنا أرادت الموصل أن تنهض من بين الكتب.
مقهى قنطرة الثقافي:
يقع مقهى قنطرة الثقافي أيضًا في أيسر الموصل في المجموعة الثقافية، افتتح هذا المقهى ليتبنى الأمسيات الأدبية، والشعرية، والموسيقى الكلاسيكية الهادئة، والندوات الثقافية، والبرامج الفنية، ليكون مقهى ثقافيًّا قبل أن يكون مقهى لاحتساء القهوة والشاي، ليكون منفذًا للمواطنين للمشاركة في نشاطاتهم والتعبير عن آرائهم المختلفة حول مدينتهم.
يمكننا القول إن أهالي مدينة الموصل اختاروا وجهتهم الثقافية للنهوض بمدينتهم، وعلى الأغلب هي الوجهة الصحيحة، ساحات الخراب والبنايات المدمرة، ستبنى بالعقل الذي كرمه الله -سبحانه وتعالى- للإنسان وكرمه على سائر المخلوقات لكي يمكنه من أداء رسالته، إذ يحدد الناس مواقفهم من سائر قضايا الحياة من خلال الفكر والثقافة والمعرفة، للتصحيح ثم الانطلاق إلى البناء الفكري المطلوب وفق قواعد سليمة، وتنقية التراث الموصلي من كل معوقات التقدم، ونشرها وتربية الأمة عليها كجزء أساسي من ثقافتها. وإعطاء فرصة الإبداع لإيجاد التغير، بعد ما حل بالمدينة من خراب.
The post بين الرصيف والقنطرة.. الموصل تنهض من جديد appeared first on ساسة بوست.
COMMENTS