في ظلال أهرامات الجيزة في مصر، تقع مقابر الحاشية والمسؤولين العاملين لدى الملوك المدفونين في الهياكل الأعظم. في الواقع إن هؤلاء الرجال وال...
في ظلال أهرامات الجيزة في مصر، تقع مقابر الحاشية والمسؤولين العاملين لدى الملوك المدفونين في الهياكل الأعظم.
في الواقع إن هؤلاء الرجال والنساء هم الذين تولوا مسؤولية بناء الأهرامات: مهندسون، معماريون، عسكريون، رهبان وكبار رجال المسؤولين في الدولة، أداروا البلاد وتعيّن عليهم التأكد من أن مواردها المالية تسمح ببناء تلك المقابر الملكية الضخمة والتي كان يأملون أن تبقى قائمة إلى الأبد.
فكيف بنيت الأهرامات الثلاثة في مصر وما علاقتها بالاقتصاد؟
النيل: ركن الإقتصاد المصري
في المملكة القديمة التي امتدت على مدار 500 عام تقريباً (منذ 2868 حتى 2181 قبل الميلاد)، كان الاقتصاد المصري يعتمد في المقام الأول على الزراعة وعلى النيل.
فقد كان النيل يغمر الحقول الموجودة على طول ضفتيه ويمدها بالطمي الخصب، كما كان يسهل عملية نقل السلع في جميع أنحاء البلاد.
وتشير الأبحاث إلى أن غالبية الأراضي المزروعة كانت جزءاً من ممتلكات ضخمةٍ تقع تحت سيطرة العرش ومختلف المعابد وأصحاب الأملاك الأغنياء، الذين شغلوا المناصب الملكية العليا.
لكن وفق موقع The Conversation لا ينبغي اعتبار تلك الممتلكات وحدات منفصلة تماماً، بل متشابكة معاً، لكونها كانت في غالبها جزءاً من شبكة إعادة التوزيع نفسها، وكانت في نهاية المطاف تخضع للملك وتعتمد إلى حدّ ما على الإدارة المركزية للدولة.
واللافت أن هذا النظام شمل أيضاً الشبكات الرسمية وغير الرسمية لإعادة التوزيع والترويج. من هنا تم تشبيه المجتمع في تلك الفترة بالنظام الإقطاعي، الذي كان موجوداً في أوروبا العصور الوسطى.
شارك غردلم يكن يفرض الملك الضرائب على بعض الأفراد، كالمزارعين، إذ يبدو أن الإدارة لم تكن قادرة على التعامل مع تفاصيل هذه المهمة على مستوى البلاد.
شارك غردفرضت ذلك العبء على أصحاب الأملاك الذين كانوا مسؤولين شخصياً عن تقديم عوائد إلى خزينة الملك، وأن يتأكدوا من أن الحقول التي يشرفون عليها، تؤمن الفائض المتوقع.
نظام ضريبي معقد
بشكلٍ عام، كانت تلك الأملاك، جنباً إلى جنب مع المدن، هي الوحدات الأساسية في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي، وتشير المصادر إلى أن الملك لم يكن يفرض الضرائب على بعض الأفراد، كالمزارعين، إذ يبدو أن الإدارة لم تكن قادرة على التعامل مع تفاصيل هذه المهمة على مستوى البلاد.
وعوضاً عن ذلك، فرضت ذلك العبء على أصحاب الأملاك الذين كانوا مسؤولين شخصياً عن تقديم عوائد إلى خزينة الملك، وأن يتأكدوا من أن الحقول التي يشرفون عليها، تؤمن الفائض المتوقع، مع العلم أن الفشل في هذه المهمة كان يؤدي إلى عقوبات جسدية.
ومن أجل حساب الإيرادات، وبالتالي مقدار الضرائب التي ستدفع إلى إدارة الملك، كان المسؤولون الملكيون يجرون عمليات جرد دورية، واللافت أنه لم يكن يتم حساب الأفراد، بل السلع الخاضعة للضريبة، مثل الماشية والأغنام والماعز، ومن الواضح أيضاً أنه تم احتساب بعض المنتجات الأخرى، كالأقمشة وأنواع أخرى من الأعمال اليدوية.
ماذا عن الضرائب؟
يوضح الموقع أنه كان يتم تجميع الضرائب التي فرضتها الدولة في مخازن الحبوب والخزانات، ومن ثم يعاد توزيعها مرة أخرى على الأملاك أو لبناء مشاريع مختلفة: بناء مقبرة ملكية وصيانة قاعات الموتى.
وفي هذا الصدد، تم العثور على أدلة توضح كيفية قيام تلك الطقوس الجنائزية في أبوصير، المدينة التي تقع على أطراف القاهرة الحديثة، وتوضح تلك النصوص للمؤرخين الأعمال اليومية وتعاملات الكهنة، وكيف تم ربط عبادة الملك المتوفى بالإدارة الملكية ومختلف المعابد الأخرى.
عملية سلسة
كان أصحاب الأراضي من الأثرياء، لكنهم عملوا بجد كي يصلوا إلى هذه المكانة.
وكانت مسؤوليتهم تشمل التأكد من سير الأمور بسلاسة في ممتلكاتهم وأن القوة العاملة لديها المأكل والملبس والمأوى، واللافت أنه في مدن الأهرامات بالجيزة كان يتم إمداد العاملين هناك بلحم البقر والأسماك والجعة، وهذه كانت واحدة من الميزات التي تحصل عليها القوى العاملة القادمة من العديد من المقاطعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد كي تعمل في إنشاء المباني الملكية الضخمة من دون أجور.
وفي أبيدوس الواقعة في صعيد مصر، عثر على نقش ينتمي إلى أوني -Uni-، وهو قاضٍ وقائدٍ عسكري، يشير إلى أن الجنود تم تجنيدهم من نفس المجموعة من الناس مثل العمال الذين لا يحصلون على أجور، ويشاركون في العديد من الحملات التي ترعاها الدولة في الأراضي الغنية بالمعادن الواقعة على حدود مصر القديمة.
وكانت تتم إعادة المواد الخام مثل النحاس والخشب الصلب (التي كانت مطلوبة في مشاريع البناء الكبيرة) إلى مصر، هذا بالإضافة إلى إحضار السلع الفاخرة إلى وادي النيل، بما في ذلك الحيوانات والنباتات الغريبة وبعض الأشخاص من أجل تسلية البلاط الملكي، وعلى الأرجح أن هؤلاء كانوا من العبيد.
أما في وادي الجرف على ساحل البحر الأحمر، الذي كان يعمل كميناء خلال المملكة المصرية القديمة، فقد تم العثور على وثائق من ورق البردي تعود إلى عهد خوفو.
تحوي النصوص على سجل لقائدٍ يدعى "ميرر"، كانت مهمته تقوم على نقل الرجال والسلع إلى داخل مصر وخارجها، هاذ وتكشف الوثائق أيضاً كيف شارك هو ورجاله الـ40 في أعمال بناء الهرم عن طريق شحن الحجارة من المحاجر إلى موقع بناء الهرم الأكبر في الجيزة.
وبحسب الموقع فإن هذه المشاريع من المرجح أنها صقلت الجهاز الإداري وأغنت الإقتصاد المصري، إذ كان "ميرر"، يعمل مع أصحاب الأملاك، في قسم البناء الملكي الذي كان مسؤولاً عن جميع أعمال البناء الرئيسية في البلاد، وربما كان مسؤولاً أيضاً عن تشييد الأهرامات الضخمة في الجيزة وسقارة الواقعة إلى الجنوب.
وقدمت القوى العاملة، سواء كانت من الإدارة الملكية أو من الطبقة العاملة بالأجرة التي كانت تجرّ الحجارة إلى مواقع البناء، خدمات إلى التاج (الملك).
وفي المقابل، رد لهم الملك هذه الخدمات بإعادة توزيع الطعام والسلع الأخرى على زعماء العمال، الذين قاموا بدورهم بتوزيع تلك السلع على السلم الاجتماعي الأقل، مع العلم أن الأشخاص الذين اعتلوا التسلسل الهرمي هم من كافأتهم الدولة فقط عبر دفنهم في قاعة تقع بجوار مقبرة الملك.
يذكر أن موقع The National كان قد اعتبر أنه يمكن أخذ بعض العبر والدروس الإقتصادية من أهرامات الجيزة، مشيراً إلى أنه في الأزمنة القديمة أعاق الاعتماد على العمل بالسخرة لبناء الآثار النمو الإقتصادي، واليوم فإن اعتماد القاهرة على المقرضين المحليين هو ما يعيق العجلة الاقتصادية للبلاد.
The post النموذج الاقتصادي الذي بنى الأهرامات قد يحمل الحل للنمو الاقتصادي في مصر اليوم appeared first on رصيف22.
COMMENTS