عمان ـ «القدس العربي»: تسرع وزارة الصناعة والتجارة الأردنية في الإعلان عن تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا قبل نحو أسبوعين وقب...
عمان ـ «القدس العربي»: تسرع وزارة الصناعة والتجارة الأردنية في الإعلان عن تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا قبل نحو أسبوعين وقبل التفاوض مع الطرف الآخر على تعديلات مقترحة سمح بتأويلات سياسية الطابع انحشرت فيها مجددا العلاقات المترددة والتي تتراوح ما بين التميز تارة والخمول تارة أخرى بين عمان وأنقرة.
بعدما اتضحت بعض التفاصيل تبين ان التسرع هو الذي أنتج سؤالا سياسيا بعنوان مبررات تعليق العمل باتفاقية مع دولة إقليمية مهمة مثل تركيا، في الوقت الذي تنمو فيه اتصالات الأردن بدولة مثل الإمارات العربية المتحدة على خلاف علني ومفتوح مع الجمهورية التركية.
الأردن مجددا هنا لا يقف عند التفاصيل والحيثيات ويحاول تأسيس نطاق متوازن في علاقاته مع جميع الأطراف بما فيه تلك المتعارضة والمتسارعة.
قبل الخوض في تفصيلات توازنات البوصلة الإقليمية الأردنية، يمكن القول ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان أصلا مطلعا على سعي الأردن لمراجعة اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين منذ نحو عشرين عاما وأكثر.
قرار التعليق الأردني في الواقع لم يكن في الجانب الفني والتقني له علاقة حصرية بالجزء المتعلق بتركيا من اتفاقيات التجارة الحرة، لأن القرار السياسي كان قد اتخذ بمراجعة كل الاتفاقيات التجارية الحرة على أمل تعديل نصوص الممكن منها.
وزارة الصناعة والتجارة الأردنية كانت بصدد استخدام قرار مجلس الوزراء بتعليق الاتفاقية مع تركيا من أجل التفاوض على تلك النصوص وعلى أساس ان مدة التعليق ستة أشهر.
جهة ما قامت بتسريب الخبر قبل وقته فغرق الشارع في تأويلات سياسية قد لا تكون دقيقة وبصورة تظهر مجددا الافتقار للمهارة في التعاطي مع ملفات فنية لها تأثير سياسي، في كل حال توقيت تعليق الأردن لاتفاقية التجارة الحرة فجأة مع تركيا بالتزامن مع زيارة مهمة قام بها لعمان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد سمح بالاسترسال في التحليل.
الأساس النظري للتحليل هنا ان طبيعة التحالف في علاقات الأردن مع السعودية والإمارات تتطلب في النتيجة تخفيف ثقل ووطأة العلاقات الأردنية مع تركيا وهي حسبة سياسية ملموسة تبرر التردد الذي يعتري ويعترض نمو العلاقات بين الأردن وتركيا سياسيا وأمنيا بين الحين والآخر.
في هذا السياق تبذل عمان جهدها لتجنب مأزق المفاضلة والمقارنة دون اتخاذ خطوات جوهرية وعميقة لصالح العلاقات مع تركيا تحديدا أو حتى مع قطر خوفا من ردود فعل محور السعودية والإمارات باعتباره محورا حليفا سياسيا وصديقا اقتصاديا ولا بد من البقاء في الدائرة التي تحيط به قدر الامكان إقليميا.
على الصعيد السياسي والإعلامي، بدا واضحا ان العلاقة بين عمان وأبو ظبي تنمو وتتفاعل وتزداد في الآونة الأخيرة في الوقت الذي تنكمش فيه بالتزامن بعض تفصيلات العلاقة مع أنقرة.
تلك مقاربة طبيعية لحكومة الأردن التي تتحرك أصلا ضمن قواعد اشتباك على أساس البقاء على اتصال مع الجميع وفي الوقت نفسه وهو أساس نظري لم يتغير حتى اللحظة بالرغم من إدراك مؤسسة القرار الأردنية أن المجازفة بطرف دون آخر قد تصبح حتمية مستقبلا خصوصا عندما تبدأ القوى الفاعلة دوليا وإقليميا بالمراوحة بين ترتيبات شبه نهائية ضمن ملامح صفقة التسوية الكبرى في المنطقة.
يتوقع دوما ان لا يترك الإطار العربي الحليف للأردن حركة عمان حرة ومستقلة تماما ضمن موازين ومؤشرات المصالح مع دولة مثل تركيا.
وفي الوقت ذاته يظهر الأتراك مرونة كبيرة في تفهم وقبول تعامل الأردن معهم بنظام القطعة السياسي ودون تنفيذ بروتوكولات تمنح العلاقة الثنائية إطارا استراتيجيا.
ووفقا لآخر محطة في المستجدات يمكن القول أن مشاريع السعودية السياسية والاقتصادية إقليمية الطابع تتطلب إزالة التوترات الباطنية مع حساسية دولة مثل الأردن وهو أمر من الواضح ان أطرافا مهمة وحيوية انشغلت به مؤخرا لتبديد سوء الفهم ولتجنب الاسترسال في أزمة صامتة يشعر بها الجميع بين عمان والرياض.
وهنا حصريا يبرز الدور الخلفي لأبو ظبي، حيث أطلق الشيخ عبد الله بن زايد وفي عمان تصريحات غير مسبوقة عن تضامن بلاده مع الأردنيين واعدا وعلنا الالتزام بدعم الأردن.
لغة التضامن الإماراتية هنا برزت بجرعة كبيرة نسبيا وفيها ملامح اقتصادية واستثمارية وزيارة عبد الله بن زايد أعقبت زيارة مهمة قام بها لأبو ظبي الملك عبد الله الثاني، الأمر الذي يوحي أن الحلقة الأردنية في الترتيبات السعودية في المنطقة أصبحت برعاية دولة الإمارات، وهو وضع مرن وحيوي ومفيد للأردن ويخفف من التشنج بسبب منسوب الثقة القديم بين أبو ظبي وعمان وطبيعة التشنجات بين عمان والأمير محمد بن سلمان ثانيا.
هنا يعتقد وعلى نطاق واسع ان عودة بعض مظاهر التردد الأردني في الاندفاع نحو تركيا ورئيسها أردوغان ترافق وليس بالصدفة فقط مع التقاسم الإماراتي السعودي الذي يحاول تقديم جرعات تطمين للأردن ويتكلف بمعالجة التوترات بينه وبين العهد السعودي الجديد، وهو ترتيب سياسي ملموس يمكن ان يوحي ان العلاقات بين الأردن والإمارات وكانت أصلا جيدة وإيجابية، قد تكون في طريقها لمناطق أخرى أكثر عمقا بالترتيب مع الشيخ محمد بن زايد وفي الاتجاه المعاكس بالضرورة وإن كان بدون تصعيد لنمو العلاقات مع تركيا وقطر.
بسام البدارين
COMMENTS