فالح الحمراني: يلقي الفوز الساحق الذي حققه فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية في روسيا في 18 اذار/مارس 76،69) في المئة) مسؤوليات تاريخ...
فالح الحمراني: يلقي الفوز الساحق الذي حققه فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية في روسيا في 18 اذار/مارس 76،69) في المئة) مسؤوليات تاريخية كبيرة، ومهام عسيرة يخطط لتجاوزها، فضلا عن التغلب على التحديات الخارجية والداخلية، التي قد تعرقل تنفيذ برامجه الطموحة والأهداف التي وضعها لروسيا في المرحلة التالية. ويقول دمتري بيسكوف السكرتير الصحافي للرئيس الروسي «ليس جميع الدول ( في إشارة إلى الغرب) تقبل بروسيا التي تكتسب قوة، وبقيادة الرئيس بوتين».
ويجابه فلاديمير بوتين في فترة رئاسته الجديدة عدة تحديات، في مقدمتها الوضع الاقتصادي الهش في البلاد وإيجاد الطرق الصحيحة لتفعيله وتحويله إلى اقتصاد منتج وليس قائما على موارد المواد الخام خاصة النفط والغاز كما هو الوضع الآن، ويقتضي هذا منه إضفاء المزيد من اللبرالية على الأنشطة الاقتصادية وتحجيم البيروقراطية وتسهيل عمل القطاع العام ورفع القيود التي تخنق مبادراته. والجانب الآخر تطوير القدرات التكنولوجية لروسيا التي تشعر بتخلفها الواسع عن الغرب في كافة المجالات، ما عدا التكنولوجيات المستخدمة في إنتاج الأسلحة.
ولذلك فإن بوتين وضع في أولويات المرحلة المقبلة حل قضايا السياسة الداخلية وضمان القدرات الدفاعية. ويقف الوضع الاقتصادي وتباطؤ وتائر التنمية الاقتصادية من بين تلك التحديات، وهناك إدراك واسع ان بقاء روسيا في وضعها الاقتصادي الراهن سيكرس لها مكانا هامشيا في الساحة الدولية، ويفقدها ما تطمح له من إشغال مكانة متقدمة لها هناك. وفي حال فشل روسيا في بناء اقتصاد قوي مستقل، فإنها لن تتمكن من الرد المناسب على التحديات الخارجية. وتجر مهام التطوير الاقتصادي خلفها قضايا الخدمات والضمانات الاجتماعية.
ان التحدي الجاد الذي يواجه بوتين في المرحلة المقبلة يكمن كذلك في تحقيق تطلعات الملايين التي منحته ثقتها وصوتت له، على أمل ان يقوم بتحسين الأحوال المعيشية المتدهورة ويجتث الفقر المستشري ويحسن الخدمات العامة ويوفر الضمانات الاجتماعية للشرائح الأكثر فقرا والأضعف، خاصة المتقاعدين الذين يستلمون اجورا بخسة، ويتخذ خطوات فعالة لتصفية ظاهرة الفساد الحكومية التي أصبحت تهدد الأمن الروسي.
ان العقوبات الاقتصادية التي غدت في عالم اليوم واحدة من الهراوات التي تستخدمها الدول في المجابهة، وإلحاق الأضرار بالخصم، والتي استخدمها الغرب في غضون السنوات الأخيرة في المواجهة مع روسيا، تشكل واحدة من التحديات التي تواجه الرئيس بوتين في ولايته الجديدة. وبالرغم من تقليل القيادة الروسية لأهمية وتأثيرات هذه العقوبات، لكنها تعرقل تدفق الاستثمارات لروسيا ودخول التكنولوجيات الحديثة، وفتح المجال لتسويق المنتوجات وتوظيف الاستثمارات الروسية في مشاريع واعدة في الغرب، وكل هذا سيؤثر سلبا على تنفيذ الرئيس بوتين لبرامجه الطموحة.
الهاجس الأمني
والتحدي الآخر هو القضية الأمنية الوطنية، وتعبئة القدرات العسكرية والسياسية وتحقيق وحدة المجتمع لمواجهة تهديدات الغرب الجدية، التي أحاطت روسيا بقواعد عسكرية ونشر الأسلحة في الدول المتاخمة لها بما في ذلك دول البلطيق وبولندا ورومانيا، ويمهد لضم اوكرانيا وجورجيا للناتو. ويواجه بوتين على صعيد السياسة الخارجية تحديات ذات طابع جيوسياسي في عدة اتجاهات. وفي الدرجة الأولى ما زال الوضع صعبا في مناطق شرق أوكرانيا الانفصالية ذات الأغلبية الروسية المدعومة من موسكو، والتي غدت مواجهتها مع كييف إحدى ذرائع تمديد الغرب للعقوبات الاقتصادية على روسيا. ولم يشهد الوضع هناك تغيرات ملموسة خلال السنتين الماضيتين. وهناك تقديرات بأن النزاع الملتهب في إقليمي دونتسك ولوغانسك، قد يتأجج بقوة في أية لحظ. فالمنطقة تبقى حجة للضغط السياسي والاقتصادي على روسيا. وان المشاكل مع اوكرانيا تتفاقم، مع انها تتطلب الحل.
ان الهاجس الأمني الذي تعمق لدى القيادة الروسية على خلفية تدهور العلاقات مع الغرب، وفي الدرجة الاولى مع الولايات المتحدة، بصورة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وعودة ملامح سباق تسلح جديد وأجواء الحرب الباردة، بكل ما ينطوي عليه من تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسي وانهاكه، يشكل تحديا جديا لولاية للرئيس بوتين الجديدة، لكونها قد تصرفه عن تحقيق خططه الواسعة بتحديث روسيا الشامل، وهذا هو العنصر الأساسي في برنامجه منذ ان دخل قصر الكرملين.
لقد نجح الرئيس بوتين إلى حد كبير في إصلاح القوات المسلحة الروسية ونفخ الحياة فيها ورفع معنوياتها التي انهارت تماما خلال رئاسة سلفه بوريس يلتسين، والأهم في ذلك هو تزويدها بأحدث أنواع الأسلحة المتطورة والمضي في إنتاج أسلحة حديثة، وكما يقول هو «لا مثيل لها في العالم» يمكن ان تطول أبعد الأهداف، وتتجاوز كافة أنظمة الدفاعات المضادة للصواريخ، ورغم كل ذلك فما زالت موسكو تشعر بتوفق القدرات الأمريكية/ الغربية عليها في القوات البحرية والجوية والبرية. ووفقا لمعطيات المراقب العسكري قسطنطين سيفكو فان «الولايات المتحدة تتفوق على روسيا بحاملات الطائرات 12 مرة وبالطرادات 6.5 مرات وبالمدمرات خمس مرات، وبالغواصات متعددة الوظائف أربع مرات» فضلا عن ذلك انها تتفوق أيضا على روسيا في القوة الجوية الفضائية والمقاتلات بأربع مرات، ويرى سيفكو، وهو من المناوئين للغرب، ان الأنواع الجديدة من الأسلحة الروسية التي برهنت على نوعيتها العالية، غير كافية لتحقيق التفوق على القدرات الدفاعية الأمريكية. وسيكون التفوق الأمريكي عسكريا على روسيا أكثر، إذا أضيفت له قوة بلدان حلف الناتو. ان السلاح الأكثر ضمانا لأمن روسيا، الذي يبقى في احتياطها كقوة ردع ماضية، هو السلاح النووي، والذي تحاول الولايات المتحدة احتواءه من خلال نشر ما يسمى بالنظام الدفاعي المضاد للصواريخ الذي لاح واضحا انه يحيط بروسيا من كل جانب وصوب.
سوريا وسكريبال
وخلقت قضية تسميم عقيد المخابرات العسكرية الروسية السابق الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبري البريطانية في 4 اذار/مارس الحالي، واتهام لندن لموسكو بل والقيادة الروسية بالوقوف خلفها، وبالتالي دعم الغرب التضامني للندن، المزيد من المشاكل للرئيس بوتين في ولايته الجديدة. وفي رده على سؤال بصدد آفاق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على خلفية قضية تسميم سيرغي سكريبال قال بوتين «ان روسيا مستعدة للتغلب على كافة الصعوبات في العلاقات مع الشركاء الأجانب» ونفى أيضا أي تورط روسي في عملية التسميم.
إلى جانب ذلك ان التورط الروسي في سوريا وكيفية التخلص منه بطريقة لا تلحق الضرر بمصالحها ولا بسمعتها هو إحدى التحديات التي تواجه روسيا أيضا. وتعمل روسيا بشتى الوسائل على إنجاح التسوية السياسية بين الفرقاء السوريين، وضمان عدم وصول نظام موال للغرب ومعاد لها، والحيلولة دون تنفيذ أمريكا خططها التي تقول انها ترمي لتقسيم سوريا بما يخدم مصالحها. ان روسيا تراهن على التسوية السلمية التي يشارك فيها بشار الأسد مرحليا، ومن ثم وصول قوى عقلانية ووطنية تميز بين مصالح القوى الأجنبية، ولا تفرط بمصالح روسيا. وكما يرى بعض المحللين الروس فإن آفاق التسوية في سوريا ما زالت بعيدة حتى في ظل النجاحات التي تحققها قوات النظام السوري المدعومة من قبل القوات الروسية. فوفقا لتقديراتهم ان الولايات المتحدة لا تروم تسليم الشرق الأوسط الذي تعتبره مجال لنفوذها، للاعبين الإقليميين. ويرجحون ان حماية النظام السوري من المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها سيكون أصعب من الحاق الهزيمة بـ«داعش». ويقر هؤلاء المحللون بانتصار بوتين الذي لا جدل فيه بإعادة روسيا إلى الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية السياسية كلاعب فاعل.
وعلى صعيد السياسة الداخلية، يقف بناء النظام السياسي بشكله الحالي، كما يرى بعض المراقبين أيضا كعامل تحد أمام بوتين، ويتمنون عليه إعادة النظر فيه من أجل منح مؤسسات الدولة الأساسية لاسيما البرلمان والقضاء استقلالية أكثر، لتفعيل دورها ومساهمتها الفعلية في شؤون الدولة. وقال بوتين انه سيفكر في طبيعة التغيرات التي سوف يجريها على التشكيلة الحكومية وسيعلن عنها بعد ان تتم مراسم تنصيبه رسميا. ومن المقرر ووفقا لأحكام القانون الروسي ان تعلن الحكومة الروسية استقالتها، ويقوم الرئيس المنتخب بتعيين رئيس وزراء ويكلفه تشكيل الحكومة.
والسؤال المهم يكمن في، هل سيكلف بوتين مرة أخرى رئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيديف بتشكيل الوزارة الجديدة، أم سيطلب ذلك من أحد حلفائه الآخرين، وهل سيبقى وزير الخارجية سيرغي لافروف في منصبه أم سيتم اختيار وزير آخر للخارجية؟ وتجدر الإشارة إلى ان لافروف يحظى باحترام الرئيس بوتين وفريقه ويتمتع بشعبية واسعة وسط الدوائر البرلمانية والسياسية والرأي العام عموما. وقال السكرتير الصحافي للرئيس بوتين دمتري بيسكوف وهو يتحدث عن مهام بوتين في ولايته الجديدة، تروم روسيا والرئيس بوتين، تعديل العلاقات حيث هذا ممكن، وتطوير وتحريك العلاقات مع الكثير من الدول، ولاسيما مع الشركاء في أوروبا ومع الولايات المتحدة الأمريكية، ومواصلة تطوير هذا إلى أبعد حد ممكن. وأضاف «ان الهدف الأساسي للعلاقات الخارجية للقائد الروسي هو ضمان بيئة ملائمة لتنفيذ مهام السياسة الداخلية. لذلك سيحتاج إلى الدعم الدبلوماسي». وقال «للأسف اننا نلاحظ أكثر فأكثر عناصر الحرب الباردة في جدول عملنا الحالي، ونحن نصطدم بذلك على صعيد العلاقات الدولية».
COMMENTS