حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية وحصل على 76 في المئة من أصوات الناخبين، بينما حل ثانيا في الانتخابات ا...
حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية وحصل على 76 في المئة من أصوات الناخبين، بينما حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية المليونير الشيوعي، بافل غرودينين، إذ حصل على 12 في المئة من الأصوات، وحصل القومي فلاديمير جيرينوفسكي، على 6 في المئة من الأصوات، كما شاركت في الانتخابات الرئاسية الشخصية التلفزيونية، كسينيا سوبتشاك، وحصلت على 2 في المئة من الأصوات. فوز بوتين الذي كان متوقعا حسب كل دوائر المراقبة والتحليل السياسي، أهله لدورة رابعة تمتد ست سنوات أخرى على رأس السلطة، فإذا أكملها حتى عام 2024 يكون قد قضى في سدة الحكم ربع قرن، وحينها سيكون في الحادية والسبعين من العمر ليصبح ثاني الزعماء الروس في التاريخ الحديث من حيث طول مدة الحكم بعد زعيم القبضة الحديدية التي حكمت الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين.
تشكيك غربي في الانتخابات
وصل فلاديمير بوتين، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات السوفييتي «KGB» إلى الرئاسة عام 2000، وترأس بلدا لا سلطة مستقرة فيه، ويعاني من تدهور أقتصادي حاد، تنخره مافيات الفساد التي ولدت من رحم العهد السوفييتي المنهار، فرأى فيه الكثير من الروس رجل الاستقرار والرخاء الجديد بفضل ما حققه على مستوى الاقتصاد اعتمادا على العائدات النفطية الوفيرة، أما على مستوى السياسة، فقد سعى جاهدا لإعادة الدور الروسي الدولي كدولة عظمى بما ورثته من امكانات عن الاتحاد السوفييتي السابق، بينما يرى منتقدوه من الغربيين ومن المعارضة الروسية انه حقق انجازات أقتصادية إلا ان الثمن كان فادحا دفعه الروس بالتراجع الواضح في حقوق الإنسان والحريات العامة.
الخروقات الانتخابية
سجلت مجموعة «غولوس» لمراقبة الانتخابات المئات من التجاوزات يوم الاقتراع، من بينها حجب الكاميرات بواسطة بالونات وغيرها. كما نشرت المنظمة حالات التزوير على موقعها الإلكتروني مشيرة إلى 2033 تجاوزاً مثل حشو صناديق التصويت أكثر من مرة وإعاقة عمل المراقبين. وأعربت المنظمة عن قلقها حيال معلومات عن ضغوط مارسها أرباب عمل أو جامعات على موظفين وطلاب لإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم في مكان عملهم أو دراستهم وليس في مكان إقامتهم وذلك بهدف «مراقبة مشاركتهم في الانتخابات».
ولكن رئيسة لجنة مراقبة الانتخابات، إيلا بامفيلوفا، قالت إن عدد التجاوزت المسجلة انخفض إلى النصف مقارنة بانتخابات 2012. وأضافت أن هذه التجاوزات لم تكن خطيرة. وجرت عملية التصويت لأول مرة في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا، وتزامن فوز بوتين مع ذكرى ضمها.
ومن الخروقات الانتخابية أيضا أقصاء مرشح الرئاسة المنافس لبوتين أليكسي نافالني من الترشح للانتخابات بسبب إدانته بالفساد، وقد اتهم نافالني الكرملين بتدبير استبعاده بالاستعانة بقضاء فاسد ومسيس. ونافالني محام وناشط سياسي روسي، اكتسب شهرة في روسيا، وخصوصًا في وسائل الإعلام الروسية، كناقد للفساد في حقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد استغل مدونته على موقع «لايف جورنال» لتنظيم مظاهرات واسعة النطاق لمعالجة هذه القضايا، كما كتب مقالات بانتظام في العديد من المنشورات الروسية، مثل «فوربس روسيا». وفي مقابلة عام 2011 مع «رويترز» ادعى نافالني أن نظام بوتين السياسي يضعف بسبب الفساد لدرجة أن روسيا قد تواجه تمردًا على غرار الربيع العربي في غضون خمس سنوات، وفي أول تعليق له على نتيجة الانتخابات الأخيرة، قال إنه لم يستطع تمالك نفسه من الغضب.
مواقف الدول الأوروبية
بعد فوزه الساحق في انتخابات الرئاسة، لم يتلق بوتين أي تهنئة من الزعماء الغربيين، بينما تلقى العديد من برقيات التهنئة من رؤساء في الشرق الأوسط والأقصى، وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول المهنئين من القادة العرب، وحرص على تهنئته أمير قطر الأمير تميم، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما بارك له الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع روسيا على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية. وحرص الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي فاز لتوه بولاية ثانية، على تهنئة بوتين، لاسيما وأن هناك الكثير من المصالح المشتركة خاصة في مجال التجارة بين البلدين.
بينما قال شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية ميركل، الاثنين 19 اذار/مارس للصحافيين «لا يمكنني استباق محتوى رسالة التهنئة، لكنني أعتقد بأنها ستذكر بالتحديات في العلاقات بين ألمانيا وروسيا». وأضاف إن بين برلين وموسكو «اختلافات في الرأي» حول مواضيع تتراوح من السياسة الروسية إلى النزاعين في أوكرانيا وسوريا. وشدد على أنه «مع ذلك، فإن التواصل المستمر مع القيادة الروسية مهم جدا بالنسبة لنا».
وفي رد فعله على نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية حذر نوربرت روتغن، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة ميركل، الغرب من إظهار أي نوع من التراجع تجاه سياسة موسكو. وأكد أن أي شكل من أشكال التهاون إزاء «انتهاك القواعد» التي ينتهجها بوتين لن تكون صحيحة. وأضاف روتغن في تصريح لإذاعة «دويتشلاند فونك» أن بوتين حوَل المزاج الروسي من الإهانة والإذلال إلى الإحساس بالفخر «هذا مصدر سلطته الوحيد، وفي الوقت ذاته فخه، لأنه ليست لديه بدائل للبقاء في السلطة». ودعا السياسي الألماني الغرب وحلف الناتو للوحدة والحزم ولكن أيضا إلى اليقظة والنفس الطويل في التعامل مع بوتين.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون يوم الاثنين 19 اذار/مارس متحدثا عن الأزمة التي تشهدها العلاقات بين بريطانيا وروسيا على خلفية محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا، ان «روسيا مخطئة بإنكار مسؤوليتها عن الهجوم بغاز للأعصاب على الأراضي البريطانية». وأضاف للصحافيين، قبيل اجتماع مع نظرائه في بروكسل لإطلاعهم على هذه الواقعة، «الإنكار الروسي مناف للعقل إلى حد بعيد». وقال «هذه استراتيجية روسية كلاسيكية، لن يخدعوا أحدا بعد الآن» مضيفا «نادرا ما ستجد بلدا على هذه المائدة هنا في بروكسل لم يتأثر خلال الأعوام الماضية من نوع ما من السلوك الروسي المؤذي والمعرقل».
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس لا تعترف بإجراء الانتخابات الروسية في القرم، وأكدت التزامها بإعادة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها ضمن الحدود المعترف بها دوليا. وقالت الخارجية الفرنسية، في بيان صدرعنها «بعد أربع سنوات على الضمّ غير الشرعي لجمهورية القرم ما زالت فرنسا متمسكة بالإعادة الكاملة لسيادة اوكرانيا ووحدة أراضيها في حدودها المعترف بها دوليا. وتغيير الحدود بالقوة مخالف للقانون الدولي، بما في ذلك الالتزامات التي وافق عليها الاتحاد الروسي».
ولا تعد ألمانيا وفرنسا الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان الرافضتان لإجراء انتخابات في شبه جزيرة القرم، إذ اتفقت 8 دول أوروبية على عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات الرئاسية الروسية هناك، والدول هي الدنمارك، وإستونيا، ولاتيفيا، وليتوانيا، وبولندا، ورومانيا، والسويد، وأوكرانيا. وقد أصدر وزراء خارجية الدول الثماني بيانًا مشتركًا، يوم الأحد 18 اذار/مارس في الذكرى الرابعة لضم روسيا لشبه جزيرة القرم، يؤكدون فيه أنهم لن يعترفوا بنتيجة الانتخابات. وحسب البيان، الذي نُشر على موقع وزارة الخارجية الأوكرانية، فإن «الاتحاد الأوروبي لن يعترف بنتيجة الانتخابات المُقامة في شبه جزيرة القرم».
جذور التوتر وأسبابه
ومنذ ان ابتدأت موسكو محاولاتها لاستعادة مكانتها الدولية في أكثر من ساحة صراع رافعة شعار بوتين التي لخصها في مقولته «ان تفكك الاتحاد السوفييتي مثل أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين» جوبهت بمواقف غربية متشككة ومتخوفة وحتى معادية، ما تسبب في ولادة أجواء تذكر بحقبة الحرب الباردة وتوتراتها المخيفة التي وصلت عدة مرات إلى حافة الحرب النووية التي تنذر بأبادة الحياة على الأرض.
وقد كتب وبشكل واضح عام 2016 وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف في مقال نُشر في مجلة «روسيا في السياسة العالمية» ان «روسيا لا تريد سوى تغيير جوهري، وبالكلمات الرسمية: معاهدة تتعلق بالهيكل السياسي والأمني في أوروبا» وهذه الكلمات كانت رسالة روسية رسمية مفادها أن القارة لن تشهد استقرارا حتى تصل روسيا إلى هدفها المنشود. فالجملة الرئيسية في المقال تقول: «خلال القرنين الماضيين لا شك أن كل المحاولات لتوحيد أوروبا في غياب روسيا لم تؤد إلا إلى مآسٍ مروّعة».
مجموعة المواقف الساخنة بين روسيا بوتين والغرب متناثرة في مختلف الاتجاهات في العالم، فالتدخل الروسي في الصراع في سوريا غير معادلة القوى ومنع إطاحة نظام بشار الأسد حليف روسيا في الشرق الأوسط، كما ان التقارب الروسي الإيراني دفع بقوة وأدى إلى انجاح الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) أما الأزمة في أوكرانيا فإنها متعددة الجوانب وتعد من أسخن الملفات الأوروبية الحالية، ففيها التدخلات الروسية عبر تحريض الانفصاليين شرق اوكرانيا، كذلك ضم شبه جزيرة القرم بالقوة إلى روسيا الذي ذكر بعهد مضى من حقب الاستعمار العسكري. كما ان ملف تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية التي أدت إلى صعود الرئيس ترامب لم يغلق بعد، ليأتي ملف الصراع المخابراتي بين روسيا وبريطانيا والاتهامات الموجهة للروس بأنهم يقفون وراء محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج وابنته باستخدام غازات قاتلة تم تصنيعها إبان الحقبة السوفييتية، كل تلك الملفات تتراكم لتزيد من سخونة الصراعات بين روسيا والغرب لتلد أزمات تذكر بأجواء الحرب الباردة التي لا يعرف أحد كيف سيكون شكلها.
صادق الطائي
COMMENTS