لندن ـ «القدس العربي: لم يتوقع أكثر المُحبين ولا المتفائلين بنجاح محمد صلاح مع ليفربول، أن يَصل لهذه الدرجة من «النجومية»، التي جعلت كبرى...
لندن ـ «القدس العربي: لم يتوقع أكثر المُحبين ولا المتفائلين بنجاح محمد صلاح مع ليفربول، أن يَصل لهذه الدرجة من «النجومية»، التي جعلت كبرى الصحف البريطانية والعالمية تضعه في مقارنة مع الأيقونة ليونيل ميسي، بعد مباراته التاريخية أمام واتفورد، التي شهدت تسجيله أربعة أهداف، للمرة الأولى في مسيرته كلاعب منذ ظهوره على الساحة مع الفريق الأول للمقاولون العرب عام 2010، منها هدف أعاد إلى الأذهان هدف ليو الشهير في مرمى بايرن ميونيخ، عندما بعثر الدولي الألماني جيروم بواتينغ في مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا قبل ثلاث سنوات.
رفقا بصلاح
حتى نكون صادقين مع عقولنا قبل أنفسنا، ففكرة المقارنة في حد ذاتها بين ميسي وصلاح ليست في محلها. صحيح السفير الاستثنائي لمصر في البريميرليغ يبصم على موسم تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلى المستوى الشخصي، ربما لن أتفاجأ كثيرا إذا احتكر جوائز حفل «الأفضل» في إنكلترا هذا الموسم، خاصة مع اقترابه من حسم جائزة الهداف، بوصوله لـ28 هدفًا يتصدر بهم سباق الهدافين بفارق أربعة أهداف عن هاري كين، وأمامه فرصة ذهبية لتوسيع الفارق طوال فترة غياب مهاجم توتنهام بداعي إصابته في الكاحل، بجانب ذلك، يُعتبر أقوى المُرشحين مع كيفن دي بروين على جائزة لاعب العام، لكن حتى إن فعل ذلك، فهل يعني أنه وصل لنفس مستوى ميسي؟ بالتأكيد لا. يكفي أن صلاح نفسه قال: «ميسي لا يُقارن بأحد».
وهذا باختصار شديد لأنه كبقية عشاق الساحرة المستديرة، يفهم جيدا أن ميسي ورونالدو من كوكب آخر، لأسباب كثيرة يعرفها المتابع العادي قبل الناقد الكبير، منها على سبيل المثال الاستمرارية الهائلة على النجاح أكثر من 10 سنوات، وعدم الشعور بالتشبع الكروي، رغم كل ما حققه الثنائي من بطولات وألقاب على المستوى الفردي بالذات قبل الجماعي، فقط يُمكننا مقارنة موسم نجمنا العربي بموسم الثنائي الأفضل عالميا، ونفتخر كذلك بتفوقه على كل مهاجمين أوروبا بمن فيهم أفضل لاعب في العالم ووصيفه حتى هذه اللحظة.
كلمة السر
لو نتذكر، عندما خسر ليفربول معركته مع فيليب كوتينيو في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، ظن البعض أنها ستكون «الضربة القاضية» لمشروع يورغن كلوب في «أنفيلد»، على اعتبار أن الفريق سيستغرق وقتا للتكيف على اللعب بدون نجمه الأول في آخر ثلاث سنوات، وقيل أيضا أن صلاح سيكون الخاسر الأكبر من هذه الصفقة، نظرا للشراكة الجيدة بينهما، لكن على أرض الواقع حدث العكس. بل يُمكن القول أن رحيل الشاب البرازيلي صب في مصلحة ليفربول بوجه عام وصلاح بالتحديد، فأداء الفريق في تحسن مُستمر بسبب وجود ماني كجناح أيسر مهاجم يؤدي أدواره الدفاعية على أكمل وجه، عكس كوتينيو الذي يقوم بأدواره الدفاعية على استحياء، بالإضافة إلى ذلك، تخلص كلوب من أزمة هشاشة وساذجة مركز قلب الدفاع، بضم فان دايك من ساوثامبتون مقابل رسوم تخطت حاجز الـ70 مليون جنيه إسترليني.
أقل ما يُمكن قوله، أن ليفربول أصبح أكثر انضباطا وواقعية بعد كوتينيو، ويظهر ذلك في انخفاض نسبة الأخطاء الفردية للمدافعين والحارس، في ظل وجود فان دايك وتألق الحارس الألماني كاريوس في الفترة الماضية، ولا ننسى أن إجادة الثلاثي صلاح وفيرمينو وماني عملية الضغط على الخصم من مناطقه الدفاعية، خففت أعباء كثيرة على الوسط والدفاع، الآن تشعر أن ثلاثي هجوم ليفربول هم حائط الصد الأول، عكس ما كان في الأمس القريب، كان من السهل جدا اختراق الوسط والدفاع… والسبب عدم وجود مساندة حقيقية من الأطراف، خصوصا من طرف كوتينيو، بجانب الحالة الكارثية التي كان عليها قلبا الدفاع جويل ماتيب ودايان لوفرين. ومن ينسى ليلة السقوط المفزع أمام مانشستر سيتي 5-0؟ ولا اللقاء الافتتاحي للموسم ضد واتفورد؟ وغيرها من المباريات التي أظهرت مساوئ حُمر الميرسيسايد على المستوى الدفاعي.
ربما كان من السهل لمن يُتابع زعيم إنكلترا على المستوى القاري عن كثب، أن يتكهن بأن الحياة لن تنتهي بعد بيع النجم البرازيلي، لإمكانية تعويضه بشكل جماعي بالثلاثي الهجومي الذي بدأ الموسم بشكل جيد جدا، لكن ما لم يتوقعه أحد أن ينفجر الدولي المصري بهذه الطريقة، التي وصلت لحد التفوق على ميسي وكل نجوم أوروبا في السباق على الحذاء الذهبي لأفضل هداف في الدوريات الخمس الكبرى. وأيضا في مجموع الأهداف في كل البطولات، بوصوله لهدفه الشخصي الـ36، اللهم لا حسد أكثر من أسطورة برشلونة والأرجنتين بهدف، وأفضل منه كذلك في نسبة استغلال الفرص، بتسجيل 22.6٪ من الفرص التي أتيحت له مقابل 14.8 لليو، الذي لعب مباراتين أكثر. علما أن الأخير يفعل المستحيل ليستعيد جائزة أفضل لاعب في العالم من جديد. فهل هذه صدفة؟ مؤكدا لا، بل هي نتيجة عمل شاق وكفاح ومثابرة، وقبل أي شيء تَحمل مثالي للمسؤولية بعد رحيل زميله الموهوب، وهذا يظهر بوضوح في التطور المُذهل الذي طرأ على أدائه في الثلث الأخير من الملعب. لم يَعد يرتبك والكرة بين قدميه داخل منطقة الجزاء، والمُذهل حقا تطوير أسلوبه في المراوغة والعمل على نفسه لتقوية مهارة التسديد بالقدم اليمنى، كما شاهدناه وهو يُهين كرويا المدافع ميغيل بريتوس، في لقطة عبقرية لا تختلف كثيرا عما فعله ميسي في بواتينغ على أرضية ملعب «كامب نو» قبل ثلاث سنوات، أثبت بشكل عملي، أن هدفه الاستثنائي في توتنهام، لم يأت من قبيل الصدفة. هكذا جنى ليفربول ثمار بيع كوتينيو. أن يُشاهد مشجع الفريق، نجمه صلاح في ثوب ميسي وبهذا التنوع ولا يقتصر دوره على انتظار هدية من الموهوب البرازيلي أو فرصة من هجمة مرتدة، يحتاج لمس الكرة مرتين أو ثلاثة ليُصدر كل أنواع الرعب لدفاع وحارس الخصوم، ، وبجانبه فيرمينو وماني كليهما يتفانى في تنفيذ تعليمات المدرب كما يُريد وربما أكثر، وكذا القائد جوردان هندرسون بدأ يستعيد مستواه المعروف عنه، وإيمري تشان في أفضل حالاته، وخلف هؤلاء دفاع يتحسن من مباراة لأخرى، وفي آخر سبع مباريات اهتزت شباكه خمس مرات فقط، أربعة منهم أمام توتنهام ومانشستر يونايتد، وأيضا الحارس كاريوس بدأ يكتسب الثقة اللازمة لحامية عرين النادي في المرحلة المقبلة، والدليل على ذلك تَحسن النتائج، التي جعلته يحتل المركز الثالث بفارق نقطتين فقط عن الوصيف، وبعيدا عن الخامس تشلسي بثماني نقاط كاملة، وعلى المستوى الأوروبي، تجاوز بورتو البرتغالي في الدور ثمن النهائي، وأمامه فرصة للوصول لأبعد مكان في الكأس ذات الأذنين إذا تجاوز مواطنه مانشستر سيتي في الدور ربع النهائي.
التحدي المقبل
بعد سوبر هاتريك واتفورد، أصبح بحاجة لهدفين فقط ليكسر الرقم القياسي المُسجل باسم ديديه دروغبا، كأفضل هداف أفريقي في موسم واحد في البريميرليغ، لكن الأهم أنه يحتاج أربعة أهداف في الأسابيع السبعة المتبقية، ليكون الهداف التاريخي للدوري الإنكليزي الممتاز في مسماه الحديث في موسم واحد، وإذا حافظ على معدله التهديفي، بعدم الابتعاد عن هز شباك الخصوم أكثر من مباراتين بمُعدل هدف كل 85.5 دقيقة، فهل سيفعلها صلاح ويُعيد كتابة التاريخ من جديد في بلاد مهد كرة القدم؟ يبدو أنه في الطريق.
عادل منصور
COMMENTS