الناصرة ـ «القدس العربي» ـ وديع عواودة: بالتزامن مع انسداد الأفق السياسي وتأزم علاقات السلطة الفلسطينية مع الولايات المتحدة بشكل غير مسبو...
الناصرة ـ «القدس العربي» ـ وديع عواودة: بالتزامن مع انسداد الأفق السياسي وتأزم علاقات السلطة الفلسطينية مع الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق دون رجعة، تتفاقم أزمة الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح بعدما لاحت في الأفق بارقة أمل بارزة بقرب وقف النزيف. بعد شهور من التفاعل والتفاوض لتسوية النزاع وترتيب مكانة غزة وإخضاعها لسيادة السلطة الوطنية، جاءت محاولة اغتيال رئيس الحكومة الحمد الله لتنسف محاولات لملمة الأوراق الفلسطينية المبعثرة التي اعتبرتها أوساط كثيرة نكبة جديدة.
عودة التجاذب بين سلطتين محاصرتين في رام الله وغزة شهد في الأيام الأخيرة تصعيدا جديدا ينذر بالمزيد من التدهور في حركة التحرر الوطنية الفلسطينية. وكان القيادي في حركة «حماس»، إسماعيل رضوان قد سارع بالقول إن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، تمتلك الأدلة الدامغة حول الجهة التي تقف وراء محاولة تفجير موكب رامي الحمد الله. وما لبثت هذه الأجهزة أن أعلنت عن هوية المنفذ، أنس أبو خوصة، واشتبكت معه في مخيم النصيرات مما تسبب في قتله. لكن ذلك لم يهدأ من روع السلطة الفلسطينية التي حملت حماس المسؤولية ودفعتها لموقف متشدد منها. في المقابل اتهمت حماس على لسان بعض قادتها السلطة الفلسطينية بمحاولة استثمار الحادثة من أجل «تمرير صفقة القرن التي لن تمر». وأكد إسماعيل رضوان أن حركته «حريصة على تحقيق المصالحة، وستلتزم بالاتفاقيات الموقعة».
وتابع: «لن نلتفت للأصوات التي تدفع باتجاه التهرب من استحقاقات المصالحة». كما كان متوقعا وجهت حركة فتح، انتقادات شديدة اللهجة لحركة حماس وتعاملها مع ملف التحقيق. واعتبرت فتح إن «كل ما يحدث في قطاع غزة من اتهام وملاحقة وقتل في قضية تفجير موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله قبل أيام، خارج عن القانون، لأن المتهم بريء طالما لم تثبت إدانته». ويبدو أن حادثة التفجير ليست سوى القشة التي كسرت ظهر محاولات ترميم الصدع رغم خطورتها، وذلك لأن منابع وجذور الاختلاف والخلاف أعمق. بل كانت الشكوك تحوم حول جدوى المبادرات والمحاولات المتجددة للمصالحة قبل شهور نظرا لوجود ملفات عاصية على التسوية كسلاح المقاومة في غزة، ووحدة القانون ووحدة البندقية، والأجهزة الأمنية وقضية الموظفين القدامى والموظفين الذين عينتهم حماس وسيادة الحكومة عليهم. ومنذ البداية هناك من أبدى تحمسا وتفاؤلا برأب الصدع الفلسطيني في وجه غول الاحتلال مبتلعا الأخضر واليابس ووسط عالم عربي مفقود وعالم كبير مشغول. واستمد المتفائلون أملهم من لقاء مصالح جهات إقليمية ودولية في هذا الملف الفلسطيني الداخل كل طبقا لدوافعه وحساباته.
في المقابل هناك من شكك بالنوايا أو على الأقل بحظوظ ترتيب البيت الفلسطيني نتيجة اختلافات عميقة رغم إبداء حركة حماس تنازلات أو فرصة غير مسبوقة للمصالحة. كان هناك من توقع منذ تجدد مساعي المصالحة نهاية العام المنصرم أن تبقى هذه حبرا على ورق، لأن السلطة الفلسطينية تخشى سيناريو لبنان حيث تكون هي المسؤولة عن دفع الفواتير على الأرض فيما تبقى السيطرة في غزة لحماس كما هو الحال مع حزب الله والحكومة اللبنانية.
ويبدو أن فكرة الانتخابات العامة في الضفة وغزة والمعطلة منذ 2006 لن تقوى على إنهاء هذا النزيف وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لعدم توافق مسائل عميقة ترتبط بالرؤى والمواقف المختلفة في التعامل مع الصراع ومع تسويته وفي الموقف من المقاومة وسلاحها. على خلفية ذلك تتزايد الأوساط الفلسطينية التي باتت ترى أن الصراع بين فتح وحماس لا دواء له وأن الحل يكمن في تيار ثالث يتجاوزهما.
وهناك اليوم دعوات لمثقفين فلسطينيين على طرفي الخط الأخضر لإعادة لملمة صفوف الشعب الفلسطيني لاسيما أن تسوية الصراع باتت بعيدة سواء بحل الدولتين أو غيره من الحلول.
وتتطلع المبادرة التي ما زالت في طور التكوين لبلورة حالة جامعة بين مثقفين فلسطينيين، من أكاديميين ومفكرين وكتاب وفنانين، ممن لهم قدرة على التأثير في الرأي العام، للتعبير عن المجتمع الفلسطيني، والتأكيد أن ثمة قولا آخر في الشأن الفلسطيني غير الرأي الفصائلي وضرورة بلوة حالة تشتغل كقوة ضغط. وتهدف المبادرة التي يشارك فيها بروفيسور سعيد زيداني وبروفيسور أسعد غانم والكاتب ماجد كيالي وآخرون، للسعي فلسطينيا للدعوة إلى صوغ مشروع سياسي وأخلاقي وعملي يؤكد على: إن الفلسطينيين شعب واحد وقضيتهم واحدة أينما أقاموا وأياً كانت الجنسيات التي يحملونها، بمن فيهم أهل القدس شرقها وغربها وأهل الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى جانبي ما يسمى الخط الأخضر وبلدان اللجوء والشتات. كما ترى أن للفلسطينيين جميعا بدون استثناء القول الفصل في قبول أي حل لقضيتهم أو رفضه، ولا يمكن لأي جهة كانت أن تفرض عليهم حلاً دون الرجوع إليهم على اختلاف أماكن إقامتهم. كذلك ترى أنه لا بد من احترام إرادة الشعب الفلسطيني المعبر عنها بأشكال الممارسة الديمقراطية أياً كانت.
وبالنسبة لهذه المجموعة لا يتنازل الفلسطينيون بعضهم عن حقوق البعض الآخر، أينما أقاموا، فلا يقبل حل تضيع فيه حقوق جزء من الشعب الفلسطيني ثمناً لحصول جزء آخر على حقوقه، كما لا يوضع هدف في مواجهة هدف، سيما أن لا شيء مطروحا على المستوى الراهن.
وتؤكد المبادرة أن للفلسطينيين الحق في مقـــاومة الظــلـــم التاريخي الواقع عليهم حتى ينتهي، بالوسائل المشروعة المعترف بها دوليا، ومختلف أساليب المقاومة الشعبية.
كشفت عمقها وصعوبتها محاولة تفجير موكب حمد الله
COMMENTS