بيروت ـ «القدس العربي»: استقبلت بيروت العرض الأول لفيلم المخرجة الكويتية اللبنانية فرح الهاشم، ضمن فعاليات مهرجان بيروت الدولي لسينما الم...
بيروت ـ «القدس العربي»: استقبلت بيروت العرض الأول لفيلم المخرجة الكويتية اللبنانية فرح الهاشم، ضمن فعاليات مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة في دورته الأولى. بعد باكورتها «ترويقه في بيروت» قدمت الهاشم فيلم «قصة مش مكتوبة» وفيه خاضت في حال «الوحدة والبحث عن الرجل المثال» الشائك. 70 دقيقة من السؤال والتقصّي، تخلت فيها الكاميرا عن الألوان الطبيعية، وأعادت إحياء زمن الأبيض والأسود، وصلت إلى إجابة صعبة لا وجه ثان لها.
لفرح الهاشم أسلوبها في التعامل مع مادتها السينمائية، وقدرتها المطلقة على تجنيد كل ما يحيط بها لصالح فكرتها. مثلت دور المرأة في جديدها مجبرة لا مخيرة وصارت «كميل» التي أغرمت بـ»رودان» حتى دخول المصح في عمر الـ30. فهل البحث عن الحب والآخر وهم؟ ماذا ستقول فرح الهاشم في هذا الحوار:
○ »قصة مش مكتوبة» وأنت في خطوتك السينمائية الثانية انتقلت مباشرة إلى البحث الصعب «الرجل المثالي». ما الذي حتّم هذا الاختيار؟
• بدأت الفكرة من مشاعر شخصية عشتها، سريعاً وجدتها مشتركة بيني وبين نساء أخريات قريبات مني. وأخريات اناقشهن في الشارع أو بعد مشاهدة فيلم أو مسلسل وتتركز في البحث عن «الرجل المناسب». من هؤلاء شباب وصبايا عرب يعملون بعيداً عن بلدانهم، في الاغتراب أو حتى في الدول العربية، حيث يجدون صعوبة في الوصول إلى الشخص الذي يشبههم. لاحظت مدى مساهمة التكنولوجيا الحديثة في تقريبنا من بعضنا، مع أننا نبتعد في الواقع. بات الحوار مع جهاز هاتف وليس شخصاً. كنت في غرفتي وخطر لي الحوار مع «سيري» عبر الأي فون. وهكذا وجدت نفسي في حوار شيق مع هذا المُبرمَج عبر الهاتف. في تلك الأثناء كنت بصدد الانتقال من بيروت إلى باريس للدراسة حيث سيواجهني عالم جديد ولغة جديدة لا أعرفها. بدأت مشاعر الوحدة تخالجني. وفي باريس اكتشفت الوحدة لدى الكثير من الفتيات، وأيضاً لدى الرجال. في حواري مع الجنسين كانت إجابات صادمة. قالوا: الحب مستحيل. الوحدة للأبد. ولدت وأعيش وحيداً. وهكذا وجدت تشاؤماً مطلقاً لدى الجيل المولود في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. لهذا بدأت البحث عن نساء شهيرات في عالم الفن. توقفت عند الفنانة كاميل كلوديل الفرنسية، التي رفضت بيئتها البرجوازية موهبتها بالرسام والنحت، وتنكرت لها. وخاب أملها بحبيبها رودان. فانتهت في عمر الـ30 إلى مصح، ماتت فيه ولم تدفن جثتها. حالة حفرت عميقاً في نفسي، وأخافتني. بالعودة إلى الرغبة في الرجل المثالي سألت عن المواصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة لتصل إلى طلبها؟ هل يكفي الذكاء والجمال؟ الواضح ان تلك المواصفات لا تؤدي إلى مستقبل جميل. وهذا ما رغبت التركيز عليه في الفيلم.
○ فيلم ينحت في عالم نفسي غير واضح لأشخاصه خاصة في نصفه الأول فهل رسمته مستعينة بمختص؟
• سعيت لأن تكون في الفيلم شخصيات الرسّام سمعان خوّام، مدير التصوير أندرو بوسون، ثريا المرأة اللبنانية ووالدتي التي تولت مهمة المنتج المنفذ. تلك الشخصيات أعطتني خبرات مختلفة من حياتها. إلى صديقاتي الرسامات ولقاءات القهوة والبحث في تفاصيل الفيلم. إلى الفرنسية جيرالدين التي كتبت موسيقى الفيلم وشاركت في تجربتها حيال الآخر. لم يكن للفيلم سيناريو، بل تمثل بالاحساس الأول، الثاني وهكذا دواليك. وتخيلت المشاهد مع مدير التصوير. صورنا شخصيات الفيلم تبعاً للمزاج والحالة المتغيران.
○ سؤال الوحدة يشغل المرأة كما الرجل لكنها الأكثر تعبيراً عنه. هل دلّت أبحاثك أن الرجل يكابر؟
• نعم يخاف الرجل التصريح بوحدته. بعد المونتاج شاهد الفيلم صديق لي في باريس وسألني: كيف تجرأت التصريح بوحدتك عبر الكاميرا؟ ألا تخافين؟ لك وحدك أقول أني وحيد. أن أصرّح بوحدتي، يعني تصريح بضعفي وعدم قدرتي على مواجهة الحياة. من جهتي اتفقت مع مدير التصوير على التصوير أون وأوف كاميرا. أي أن تكون لنا كاميرا تعمل على مدار اليوم. فالبطل سمعان خوّام يختلف بين التصوير وخارجه. ولأن الفيلم نفسي وحقيقي رغبت بكاميرا خارج الكادر.
○ هل اخترت سمعان خوّام ليكون «رودان» وأنت «كميل كلودين»؟
• هذا ما وصلناه دون قصد. هو «رودان»، ولم أحسب في لحظة أني سأكون «كميل». حسبت أن جميعنا قد نكون «كميل». لكن شخصية سمعان خوّام كانت طاغية فكنت «كميل». لدى خوّام مسحة بوهيميا، وشعر ورومنسية وصوت أجش. هو «رودان» إنما بصبغة لبنانية. يركز في رسمه على المشاعر.
○ رجل وامرأة هما توازن الحياة كما التوازن الضروري لإبحار الغندولين في الممرات المائية لمدينة البندقية. لم يتوازن الغندولين في نهاية الفيلم. «ما في حدا كامل»؟
• هذا صحيح. المرأة في بحث دائم عن الرجل الذكي، الجميل، الكريم وغير ذلك من الصفات التي لن تجدها مدى العمر. وبالتأكيد النساء لسن كاملات. يخلص الفيلم للقول أن الكمال ليس أكثر من أفكار مبعثرة على ورق.
○ هل ستكون الانترنت صديقاً أو حبيباً للمستقبل في رأيك؟
• وهذا ما يحدث حقيقةً. في فيلم «هي» الأمريكي يُغرم البطل بصوت امرأة عبر الكمبيوتر تذكره بالوقت، وتسأله ماذا سيفعل كل يوم. يُغرم بها لأنها تهتم بمواعيد طعامه وغير ذلك. هو غرام بشخص غير موجود.
○ بطل الفيلم البوهيمي يرسم وجوهاً غير مطابقة للنساء الذين اعتدناهم. هل يكسر وحدته برسوم نسائه؟
• للفنان احساس مرهف خاصة الذي يعرف أكثر من المطلوب. المعرفة قد تكون تؤذيه فيهرب من ذاته باحثاً عن وجوه تسليه. كل فنان يبحث عن فرصة من خلال عمله. وهذا ما كان يفعله خوّام رغم التشوه الذي لحق بوجوه النساء اللواتي رسمهن. قال بقهر في الفيلم أن بعضهم يبدل في الحب كما الملابس، في حين شبه نفسه بأن الحب لمرة واحدة يكسره لسنوات. ربما عاقب النساء برسمهن.
○ غصت عميقاً في النفس البشرية والوحدة ليأتي الجواب بسيطاً من سيدة جنوبية عجوز «الزواج مضيعة للوقت». هل من شبه بين رأيها ورأي جيرالدين دام؟
• قالت السيدتان باستحالة تمكن المرأة العاملة التوفيق بين جمالها، الزواج والحب. عليها اختيار ما هو لمصلحتها. أصابتني «ثريا» بصدمة إيجابية. اعتقدت أن امرأة من جنوب لبنان ستحكي عن أهمية الزواج. المفاجأة برفضها الزواج بعد الطلاق بهدف الإستقلال والعمل. بدورها فنّدت جيرالدين ما يريده المجتمع من المرأة أي الحب، الزواج، العمل، الإنجاب، الجمال وبالوقت نفسه أن لا تكون عصبية. ولأن هذا مستحيل على المرأة البحث عن راحتها، وهذا ما اتفقت عليه السيدتان.
○ بناء على تجربتها في الزواج والطلاق السريع أفتت ثريا بأن «النساء قوامون على الرجال». أليس هذا حال الكثير من النساء شرقاً وغرباً في عصرنا؟
• رغم أهمية دور النساء في كافة المجتمعات شرقاً وغرباً، 10 في المئة فقط نسبة النساء المخرجات في هوليوود. تكفي فضائح واينستاين وتحرشاته الجنسية. في هوليوود بكاملها لا ثقة بعمل المرأة. وهذا ينسحب على كافة المهن في الحياة، وهو نتيجة التربية والمفاهيم وعدم الثقة بامكانات المرأة.
○ حكمة كلام «ثريا» يوازي بأهميته سؤال الوحدة بأبعاده كافة. هل توقعت هذا؟
• أفرحني جواب «ثريا» وأراحني نفسياً. وكان رائعاً أن تقول امرأة ريفية بهذا العمر بعدم وجود أي فرق بين النساء والرجال.
○ في السيارة ومشهد جمعك بصديقتك ناتاشا ذكرنا بفيلم «ترويقة في بيروت». هل تشكل بيروت دفئاً عاطفياً؟
• هو مشهد لم يتضمنه «ترويقة». فعلياً يبدو أن بيروت تمثل بالنسبة لي هذا الدفء. هي الرجل المثالي الذي أبحث عنه. بيروت المدينة تدعوني لأختبئ فيها. فكرت بهذا المشهد وضمه لـ»قصة مش مكتوبة» وكأن أفلامي سلسلة.
○ ماذا عن انجاز الفيلم وهل واجهتك صعوبات؟
• كثيراً جداً. أرهقني المونتاج. كان دوري سيقتصر على الكاتبة التي تناقش ما تكتبه مع الأبطال. صورت الفيلم مع ممثلة، وعندما بدأت عملية المونتاج وجدتها دون مشاعر. وجدت نفسي أمام حائط مسدود بعد تكبد التكاليف المالية على مدار تسعة أيام من التصوير. اعتذرت منها. أعدت تصوير المشاهد منفردة ومنتجتها مع ما سبق تصويره عبر القص. عملت تماماً كما يتم قص الصور الفوتوغرافية. خلال التصوير عبر سمعان خوّام عن استيائه من مشاعر البطلة، وطلب مني لو أكون مكانها. استنكرت الأمر إذا كيف لي التواجد خلف وأمام الكاميرا. مثلت دوراً ليس حباً بذاتي بل سداً لثغرة كبيرة. حقيقة الفيلم أنه وليد المونتاج وهذا صعب للغاية، إنه تجريبي بالكامل.
○ العرض الأول في بيروت فماذا عن الخطوات التالية؟
• العرض الثاني في مهرجان مسقط في 26 آذار/مارس. في نيسان/ابريل سيعرض في مهرجان في مدريد وبرشلونة. في حزيران/يونيو في فانكوفر دانس. ثم مهرجان النمسا السينمائي. والاتصالات جارية للعرض في مهرجان الاسكندرية السينمائي.
«قصة مش مكتوبة» فيلم يبحر في وحدة البشر القاتلة والحب المستحيل
زهرة مرعي
COMMENTS