إسماعيل عبدالهادي: فلسطين هي من أكثر دول العالم غنى بالآثار التاريخية، باعتبارها أرضاً خصبة للكثير من الحضارات والأمم التي سكنتها، بداية ...
إسماعيل عبدالهادي: فلسطين هي من أكثر دول العالم غنى بالآثار التاريخية، باعتبارها أرضاً خصبة للكثير من الحضارات والأمم التي سكنتها، بداية من الحضارة الكنعانية مروراً بالرومانية والآشوريين والبابليين والفرس. وتحتضن غزة قرابة مئتي موقع وبيتا أثريا، تعود تواريخها إلى آلاف السنين، وتعتبر شاهداً على تاريخها وحضارتها، لكن غياب الوعي المجتمعي والرقابة من قبل الجهات المختصة، جعل هذه المناطق الثمينة والكنوز المدفونة ملاذاً للسرقة والتهويد من قبل أناس مختصين بذلك، في وقت لا يجدون حسيبا ولا رقيبا لما يقومون به. فالعديد من المناطق التي يحتضن جوف أرضها معالم عريقة تحولت إلى معالم عمرانية نتيجة الاعتداء عليها وإقامة المنازل والمؤسسات والمواقع الحكومية، ما أدى إلى اندثارها وطمس معالمها.
ولا تزال عمليات التجريف والتهويد نتيجة الزحف العمراني متواصلة في هذه المواقع، فبعد موجة الغضب التي أثيرت نتيجة إقدام الحكومة في غزة على تجريف أحد أكبر المعالم الأثرية لموقع تل السكن وسط القطاع، والذي يعود للعهد البرونزي بهدف تعويض الموظفين بقطع من الأراضي بدلاً من مستحقاتهم المالية المتراكمة، بدأت آليات إلى الغرب من مدينة دير البلح في تجريف معلم أثري آخر وهو موقع تل الرقيش، الذي توجد أسفله مستعمرة تعود للعهد الفينيقي يتم طمس معالمها، بالإضافة إلى أنه في منطقة البلاخية الواقعة غرب مخيم الشاطئ لا يزال المواطنون يواصلون بشكل يومي عمليات النبش عن القطع الأثرية وسط تجاهل المسؤولين.
وأكد خبير الآثار فضل العطل لـ«القدس العربي» أن 80 في المئة من المناطق الأثرية في غزة بلا حماية وتتعرض للتهويد والسرقة بشكل يومي، وأن هناك العشرات من القطع الأثرية سرقت وتوجد الآن في متاحف خارج فلسطين، وسبب ذلك غياب وسائل الحماية كالأسوار واليافطات التي تبرز طبيعة المكان، وهذا ما جعل هذه الأماكن الثمينة والعريقة عرضة للتخريب والإهمال والسرقة.
ويشير في حديثه إلى وجود العديد من المواقع المهددة بالاندثار نتيجة الاستهتار المتعمد، وغياب دور الجهات المختصة في وزارة الآثار في غزة في البحث عن هذه الآثار وجمعها وحفظها في متاحف خاصة، تعود بمردود اقتصادي من خلال الزوار والسياح.
وأوضح أن وزارة الآثار وقعت في عام 1998 اتفاقية بين فلسطين وخبراء فرنسيين للتنقيب عن الآثار داخل المواقع المنتشرة في قطاع غزة، ولكن مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 توقفت أعمال التنقيب بشكل كامل وغادر الخبراء الفرنسيون الأراضي الفلسطينية، وبقيت حتى الآن عشرات المواقع عرضة للسرقة والتخريب.
وحسب قانون الآثار المعمول به في الأراضي الفلسطينية، فقد تبين عدم وجود أي مواد رادعة لسارقي الآثار، واكتفى القانون بالفقرة (ج) من المادة 47 والتي تنص على أن كل من هرب أو حاول تهريب أي من القطع الأثرية للخارج يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، أو غرامة مالية من مئة إلى ثلاثمئة دينار أردني.
وأوضح مدير السياحة والآثار في غزة جمال أبو ريدة لـ«القدس العربي» أن استمرا الانقسام الفلسطيني شكل أزمة كبيرة في الحفاظ على المناطق الأثرية وترميمها، فضلاً عن توقف أعمال التنقيب بشكل تام.
مؤكداً على أن الموازنات الخاصة التي كانت تنفق على مشاريع التنقيب عن الآثار وصيانتها كانت تأتي عبر الدول المانحة، غير أنها توقفت بعد أحداث الانقسام.
وبين أن هناك مناطق عديدة لا توجد عليها حماية ولا حراسات وتعاني من التعديات، ولكننا في الوزارة في حاجة إلى موازنات ضخمة للحفاظ على هذه الأماكن، مضيفاً أن أي عملية تنقيب تحتاج إلى مبالغ كبيرة، فالعقبات المتراكمة أمامنا وضعف الإمكانيات تقف حاجزا أمام الحفاظ على هذه الكنوز الثمينة.
COMMENTS